لغة الأرقام

أصبح بالإمكان الآن الاطلاع على العديد من الإحصائيات والأرقام والبيانات في المجالات كافة ، ومتابعتها بشكل محدث بشتى الوسائل والأشكال والصور ولكن مع ذلك فان التعامل مع لغة الأرقام ما يزال بعيدا عن الاستفادة من مدلول لغة الأرقام بشكل واقعي وجذري لحل العديد من التحديات التي توضحها الأرقام بشكل جلي.

مجموعة من المجالات يمكن الإشارة إلى البيانات المتوفرة بوفرة حولها سواء من الجهات الرسمية أو المنظمات والهيئات الخاصة ومراكز الأبحاث والدراسات والتي تعني بالشؤون الاجتماعية والتربوية والاقتصادية والسياسية والعديد من الجوانب التخصصية الأخرى والتي تنشر للعموم.
نقرأ عن عدد حالات الطلاق في الأردن خلال السنة الماضية وما مضى من هذا العام على سبيل المثال ولكن نتوقف مطولا عن مدلول ذلك وعن الآثار الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية نتيجة للغة الأرقام من سجلات المحاكم الشرعية وحجم المشكلة في مجتمعنا ؟
أعجبني إعلان تسويقي عن استبدال عدد من السجائر بأرغفة من الخبز والتي تكفي لإطعام اسر ليوم واحد على الأقل ، ولكن هل نتوقف مطولا عند لحظات وساعات مدلول لغة الأرقام عندما تترجم إلى أفعال مثل سياسة الاستبدال والتي تعني التغيير المنشود لتحويل الرقم إلى لغة مفيدة ؟
نتحدث عن غزة وعن الأعداد من الشهداء والجرحى والمصابين جراء العدوان ولكن هل نتوقف مطولا عن نتيجة العدوان بعد عام من الآن وعن طبيعة المعاناة الإنسانية للأيتام والمشردين والعائلات المنكوبة والتي سوف تواجه واقعا مختلفا عن المشاعر أثناء الحصار والعدوان.
ونتناول أيضا نتائج امتحان الثانوية العامة ونسب النجاح ولكن هل يمكن الانتباه إلى لغة النتائج بالتحليل المعمق والإبعاد الاجتماعية والنفسية وفق مؤشر امتحان الثانوية العامة ؟ والأبعد من ذلك الفجوات التي تشير إليها النتائج والتفكير في وسائل المعالجة الممكنة وعلى المستويات كافة ؟
ونشير أيضا إلى عدد السيارات في العاصمة عمان وعدد المواقف وعدد المخالفات والأبعد من ذلك طبيعية الخدمة المرورية المقابل للغة الأرقام ذات العلاقة بالسيارات من المواقف ومعارض البيع ومكاتب الوساطة ومحلات قطع الغيار والتصليح ومحطات الوقود وأعداد اخرى ذات علاقة يمكن اكتشافها عن البحث والتنقيب فقط لا غير.
لا بد من التدبر في عدد الرسائل المرسلة على سبيل المثال للمعايدة في العيد من الأجهزة الخلوية ومعدل دقائق التحدث عبر الأجهزة الخلوية خلال فترات محددة وعن طبيعية الحديث بين المرسل والمستقبل وعن عدد الدقائق المجانية والرسائل القصيرة التي لغة أرقامها ذات طبيعة خاصة ولنقل صعبة على اقل تقدير وبالمناسبة تم إرسال 21 مليون رسالة خلال ليلة العيد فقط.
وقفت مطولا مع مجموعة من الأرقام والتي تم نشرها مؤخرا في بعض وسائل الإعلام والتي تشير إلى: 22000 طن من النفايات تم التعامل معها أول أيام عيد الفطر ، 250 طناً من الكنافة تم استهلاكها أول أيام إعلان نتائج التوجيهي ، إلقاء القبض على 533 متسولا خلال شهر رمضان ، 90% من الأردنيات يبررن ضرب الزوجة ، 6.9 مليون رسالة خلوية قصيرة يتم إرسالها في اليوم العادي ، وبالطبع يمكن للمهتم متابعة العديد من الأرقام التي يتم بثها من خلال المواقع الإخبارية المتاحة ولكن هل يمكن رصد ومتابعة وتحليل تلك الأرقام وترجمتها إلى تحذيرات لدق ناقوس الخطر ؟
بعد قليل سوف تفتح المدارس، فهل نتصور ونفهم لغة الأرقام الخاصة بالمدارس ونترجمها إلى سياسة تربوية ومجتمعية ونتحمل مدلول ومؤشر واحد فقط لعدد الطلبة الذين سوف يلتحقون بالصف الأول الأساسي هذا العام الدراسي ؟
قد تكون الأرقام صماء ولكن لغتها تعني الكثير لمن يحاول فهمها وترجمتها بشكل صحيح، فهل نفهم لغة الأرقام جيدا ونقرأها على الوجه السليم ؟