رسالة الفحيص.. من غزة إلى داعش

لا تستطيع الفحيص، تلك المدينة الساحرة، بأهلها، ورسالتها وبُعدها الحضاري، وعُمقها الوطني، إلّا أن تكون في الصدارة دائمًا، مع الوطن وأوجاعه، ومع ضمير الأمة الذي صعد مع مقاومة غزة الى السماء.

بهدوء العُقّال، وحكمة الكبار، واجماع اهالي الفحيص، ومؤسساتها، وأُطرها الصديقة، بالتنسيق مع راعي المهرجان ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله، قررت ادارة المهرجان، ادارة نادي شباب الفحيص، تأجيل افتتاح مهرجان الفحيص الـ 25 «الاردن تاريخ وحضارة» الذي كان مقررا اليوم، تضامنا مع اهالي غزة في الظروف التي يمرون بها.

رسالة تأجيل المهرجان ــ مع ان الثقافة والفن الملتزم جزء من المقاومة ــ ليست لحظة عاطفية تضامنية مع الدم الذي يُزكّى غزيرا في غزة، بل تتعدى ايضا، الى كل من يحمل الفكر الظلامي من داعش في العراق والشام، وما تفعله قوات الخليفة ومن على شاكلتهم في «ملح الارض» الموصل، وما ترتكبه في الرقة، وفي عرسال لبنان، وطموحاتهم المزعومة بمقاتلة اميركا في الكويت.

الرسالة الفحيصية جزء مكمل للرسالة الحضارية التي اطلقها قبل اسبوعين من فلسطين، راعي كنيسة اللاتين في غزة سابقا ابونا مناويل مسلَّم عندما وجه حديثه للمسلمين في غزة بعد قصف اسرائيل اكثر من 70 مسجدا: اذا قصفت اسرائيل مساجدكم في غزة فارفعوا الأذان من كنائسنا.

مهرجان الفحيص، مثلما جاء في البيان الرسمي، منذ انطلاقته، منحاز الى جموع الناس، ورغبتهم في الفرح، والاحتفال والوقوف ضد اعداء الحياة، والقهر والظلم واستلاب الحرية، وشكل المهرجان دائما موقفا وطنيا وانسانيا يسعى الى تنمية الثقافة والتنوير، ولكن في مثل هذه الظروف القاسية التي يمر بها الاهل في غزة، لا يرى المهرجان نفسه إلّا الى جانب الاردنيين الذين يقفون الآن بكل مشاعرهم وعواطفهم وقفة واحدة، تضامنا وجدانيا وحقيقيا مع اهل غزة.

نعم؛ فقبل 25 عاما التقى نخبة من شباب الفحيص في أهم مؤسسة احتضنت أنشطة المدينة آنذاك، هي نادي شباب الفحيص، وبعد أن غادرت البلاد حقبة الأحكام العرفية فكروا بإقامة مواسم فرح وعشق، وتوصلوا إلى أن الفن والثقافة الحقيقيَّين لا بد أن يكون منبعهما التاريخ الذي يصل الأمم بالحضارة، فاختاروا شعار المهرجان «الأردن تاريخ وحضارة»، واستمر هذا الشعار مع المهرجان من سنته الأولى حتى الآن.

رسالة الفحيص سياسية بامتياز، عميقة في حضارتها، حكيمة في توقيتها، ما يدل على عبقرية الوجدان الشعبي، وضمائر المتحضرين، وسعة آفاق المتنورين.