معان ليست بخير

في معان، بقي ثمانية مطلوبين فارين من يد العدالة، تصر الحكومة على إلقاء القبض عليهم. وربما يتسنى لها ذلك خلال الفترة المقبلة.
لكن بعد إلقاء القبض على جميع المطلوبين، هل ستهدأ معان وتعود إلى حالها الطبيعية؟ وما الضمانة لذلك؟ ثم، من قال إن هؤلاء هم فقط مصدر الفوضى اليومية التي تشهدها المدينة، وإنهم وحدهم من يقفون خلف الاعتداءات على قوات الأمن والدرك؟
المعانيون يشكون الحال التي بلغتها مدينتهم، بعد أن باتوا يخشون على أنفسهم وعائلاتهم من تكرار إطلاق النار. ويقول أحدهم إنه يخشى خروج أطفاله إلى الشارع، كونهم سيصيرون صيدا سهلا لعيار ناري طائش، ومواجهات لا يُعرف متى وكيف تندلع؟.
المشاهد في المدينة، بحسب ما يرويها بعض الأهالي هناك، غريبة وخطيرة؛ من قبيل تصنيع القنابل بأدوات بدائية، ناهيك عن توفر الأسلحة الأتوماتيكية التي لا تفارق البعض استعدادا لمواجهة متوقعة.
ما حلّ بالمدينة من تراجع وتقهقر جعلها لغزاً! فأين هي الطريق إلى تخليص معان من شرور بعض سكانها، والتي بدأت تخرج عن المألوف؛ وعلى رأس ذلك الإقدام على قتل ضابط درك بهجوم مسلح فجر أول من أمس؟
من يكفل أن لا يتكرر الفعل، وثمة من يرغب في تصوير المدينة كبقعة خارجة على القانون؟ إذ في خضم محاولات الخروج بحل للأزمة من قبل النواب والحكومة، تقع تلك الجريمة.
حادثة استشهاد الملازم ثاني نارت نفش بحاجة إلى تحقيق، لمعرفة من يقف خلف الجريمة. والباب مفتوح على جميع الاحتمالات.
فقد يكون الجاني هو أحد المطلوبين السابقين، وهذه نتيجة متوقعة. لكن ربما تقود النتائج إلى أن من ارتكب الجرم، هو صاحب فكر متطرف، يرى في رجال الأمن أعداء يلزم قتلهم و"الجهاد" ضدهم.
أدرك أن ثمة تفاصيل كثيرة يجهلها الإعلام، لكن الصورة العامة وما يصل من أنباء، يؤكدان أن معان ليست بخير؛ فكل المحاولات الحكومية والنيابية لحل مشكلة المدينة انتهت نتائجها إلى استمرار القتل ونسف جهود التهدئة.
مقتل الضابط نفش، وقبله أبرياء مدنيون ليس لهم علاقة بما يحدث، يدعو للقلق على المدينة وأهلها التي لا يبدو أن ثمة أملا، حتى الآن، في إنهاء معاناتهم.
بالنظر إلى التفاصيل المتاحة، يبدو بعض الخارجين على القانون هم المذنبون. وهذا صحيح، ويفترض أن لا يتم التنازل عن مبدأ تطبيق القانون عليهم بعدالة، بحيث يحاسبون على كل فعل ارتكبوه. لكن في الصورة تبدو الحكومات أيضا مذنبة، لأنها تركت معان فريسة للإجرام والتطرف، فبات المجتمع المحلي المحايد والمراقب لما يجري، يعيش كابوسا يوميا.
والحكومات أيضا تتحمل جزءا من مسؤولية قتل الأبرياء؛ مدنيين وعسكريين. فإهمال المدينة وترحيل أزمتها، هو ما أوصلها إلى ما هي عليه حالياً، وجعلها مصدرا يوميا للأخبار غير السارة.
استشهاد الضابط نفش يعيد فتح ملف معان على مصراعيه، وينبه إلى ضرورة البناء على ما تم حتى اليوم، وخصوصا اللجنة النيابية التي أمضت أكثر من شهر في اجتماعات ولقاءات مكثفة، أفضت في النهاية إلى تسليم ستة من المطلوبين.
الجميع عليهم دور، بمن فيهم المعانيون أنفسهم، لوقف النزيف وعلاج الجرح تماماً؛ بإعلان مواقفهم الرافضة للتطاول على الدولة والخروج على القانون، فالسكوت بات جزءا من الجريمة.