"عقدة" الموقف الأردني!
أخبار البلد - محمد ابو رمان
حمل الموقف الرسمي الأردني تجاه غزّة تطوراً جديداً عبر تصريحات رئيس الوزراء، أول من أمس، والتي وصف فيها العدوان على غزة بالبربري والهمجي، مع التأكيد على وحدة الموقف الرسمي والشعبي تجاه الأشقاء الفلسطينيين.
قبل ذلك، كان رئيس الوزراء د. عبدالله النسور، قد ردّ على وجهة النظر التي ترى بأنّ هناك ضعفاً أو تقصيراً في الموقف الأردني تجاه غزة، وتحديداً فيما يتعلّق بقصة استدعاء السفير الأردني هناك؛ إذ أكد الرئيس أن الفلسطينيين سيتحملون الكلفة الحقيقية لهذا الإجراء، نظراً لما سيستتبعه من تضييق عليهم وعلى مصالحهم، وبما قد يلحقه من ضرر، أيضاً، بالمساعدات الإنسانية الأردنية لغزّة.
على الأغلب لن يتوافق هذا التبرير مع مزاج المعارضة الغاضبة، ولا مع توجه تيار واسع في الرأي العام الأردني. لكن بعيداً عن التقييم المباشر لهذا الموقف، دعونا نحاول أن نعرّفه أصلاً، ونحدّد أبعاده والمتغيرات الأساسية التي شكّلت مدخلاته، خلال فترة العدوان الماضية!
من الواضح، ابتداءً، أنّ مطبخ الحكومة ركّز، منذ البداية، على الجهود الإنسانية، وتحديداً المساعدات الطبيّة لغزّة، في محاولة مقايضتها بالجانب السياسي؛ أو بعبارةٍ أدقّ "تسييس" الجانب الإنساني، بوصفه جزءاً أساسياً من الخطاب الدبلوماسي الأردني في المنطقة العربية.
الجانب الثاني هو التركيز على الجهود الدبلوماسية الأردنية في الأمم المتحدة ومجلس الأمن من أجل "وقف إطلاق النار"؛ بإقناع الولايات المتحدة والتأثير على الدول الكبرى، بدلاً من الاصطفاف المباشر مع المقاومة الفلسطينية في غزة.
الجانب الثالث، ويُمثّل "عُقدة" الموقف الأردني، يتجسد في التناقض الجوهري بين موقف المقاومة في غزة من جهة، وحلفاء الأردن العرب من جهةٍ ثانية، وتحديداً النظام المصري الذي ينظر إلى حركة حماس بوصفها امتداداً لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، بعد أن عملت ماكينة الانقلاب على "شيطنة" الحركة ووضعها في قائمة الإرهاب، بالتوازي والتزامن مع قرار إقليمي عربي شبيه ضد الحركة ومعها جماعة الإخوان المسلمين، واعتبارهما حركات إرهابية!
ليس العدوان الإسرائيلي هو ما أحرج وأربك حسابات النظام الرسمي العربي، بل هو الصمود البطولي للمقاومة الفلسطينية، وتحقيقها اختراقات رمزية وسياسية مهمة، ما جعل موقف الأنظمة في حالة حرجةٍ؛ بين عدم قدرتها على تأييد العدوان الإسرائيلي من جهة، وخشيتها من تسجيل جماعة الإخوان و"حماس" انتصارات سياسية ومعنوية تهدّد شرعية هذه الأنظمة، من جهة أخرى، فتداخلت الأبعاد الرمزية والداخلية والإقليمية في هذه الحسبة!
وإذا كان "مطبخ الحكومة" في عمّان قد تجنّب، خلال الفترة الماضية، الوقوع في "فخ" الموقف العربي العلني باعتبار "الإخوان" (ومعهم "حماس" بطبيعة الحال) حركة خارج القانون وإرهابية، نظراً لخصوصية الحالة الأردنية؛ فعمل المسؤولون على الإمساك بالعصا من المنتصف، عبر تأييد تلك الدول ومواقفها من الجماعة، من دون الدخول في "الدوّامة" نفسها، فإنّ الخصوصية الأردنية تبدو أكثر وضوحاً وتعقيداً في حالة العدوان الإسرائيلي على غزّة، لأنّها أقرب إلى شأن داخلي وطني أردني!
للخروج من هذه المعضلة، جاء الموقف الأردني، كما يوضّح سياسي مخضرم، مرتبطاً بمحدّد رئيس؛ بالإضافة إلى المحدّدين السابقين (وهما الجانب الإنساني والجهد الدبلوماسي)، ويتمثّل في تجنّب الإعلان عن مواقف سياسية تعطي انتصاراً معنوياً ورمزياً للمقاومة الفلسطينية، والتنسيق الدائم مع الرئيس محمود عباس!
بالطبع، مثل هذا الموقف يخلّف وراءه أسئلة نخبوية متداولة اليوم في الأوساط والسجالات السياسية، ونذكرها هنا من باب إثارة الحوار والنقاش: هل هذا هو هامش المناورة الدبلوماسية الأردنية فقط، أم يمكن توسيع البكارة ورفع سقف الدور بما يرتقي سياسياً وأدبياً بهذا الدور، ويتجاوز منطق "الالتزام الحرفي" بموقف الحلفاء العرب الذي يتأسس على اعتبارات مختلفة نسبياً؟