السلفية وجذور الازمة السورية

لم تكن أرض الشام، بيئة خصبة للفكر السلفي، فعلاوة على تجربتها المريرة، مع الغزو السلفي الوهابي، الذي تصدى له والي الشام، أسعد باشا العظم في القرن التاسع عشر، وارتباط ظاهرة التدين في أرض الشام، بالفرق الصوفية، فإن اعتزاز علمائها بالشيخ محيي الدين بن العربي، ذي النزعة الصوفية المتسامحة، ساهم في سيادة مظاهر الاعتدال والتسامح بين المكونات الفكرية والدينية كافة، وقبيل مرحلة الاستقلال، تسيد المشهد الديني في سورية، تياران رئيسيان، قاد الاول الشيخ مصطفى السباعي مؤسس جماعة الاخوان المسلمين، الذي مثل الطبقة الوسطى في البلاد، والثاني تيار صوفي محافظ، وجد تعبيراته السياسية والاجتماعية في رابطة العلماء المسلمين بزعامة الشيخين ابي الخير وحسن حبنكة الميدانيين، الذي مثل الفئات التقليدية من رجال الدين وملاك الاراضي وتجار وزعامات محلية، وفي الربع الاخير من القرن الماضي، تسيد المشهد السوري ثلاثة تيارات سلفية.

الاتجاه الاول :- سلفية بلا عنف

برز تحول جديد نحو سلفية جديدة هي السلفية اللاعنفية، التي جاءت ردا على اتجاه الاخوان المسلمين نحو ممارسة العنف السياسي، أسس هذا الاتجاه الشيخ جودت سعيد، المنحدر من أصول شركسية، وقد استطاع الشيخ ان يملأ فراغا رمزيا، خلفته حقبة الثمانينيات من القرن الماضي، الا انه عجز عن الانتشار، بسبب انتشار أفكار السلفية الجهادية، على وقع الأحداث الاقليمية والدولية، التي تدفع نحو التطرف، الا ان تلامذته استمروا في الدعوة اليه امثال حنان اللحام والشيخ عبد الاكرم السقا، وجاءت حادثة داريا عام 2003 م، (حين خرج قرابة مئة شاب في تظاهرة صامتة صبيحة يوم سقوط بغداد، بادرت الاجهزة الامنية السورية الى قمعهم واعتقالهم)، لتؤسس لبداية المواجهة مع النظام، وانغماس الشيخ سعيد في العمل السياسي، وصولا لتوقيعه إعلان دمشق.

الاتجاه الثاني :- السلفية السرورية او التيار السروري

وهو تيار ديني، أسسه الشيخ محمد سرور بن زين العابدين من حوران، حيث كان عضوا في جماعة الاخوان المسلمين، ومن تيار سيد قطب، لجأ الى السعودية بعد عصيان حماه عام 1964 م، وتأثر بالسلفية الوهابية حيث بدأ الشيخ سرور في بث افكاره لدى الشباب السعودي الذين وجدوا فيه شيئا ثوريا جديدا، لم يألفوه من قبل في خطاب علمائهم السلفيين، وجذب خطابه قواعد الشباب بطروحات سيد قطب والافكار الجهادية، ومن اشهر مؤيديه عائض القرني وسلمان العودة ومحمد العريفي، حيث أوجد الشيخ سرور تيارا سلفيا، هو حصيلة تزاوج أفكار ابن تيمية، مع طروحات سيد قطب، فاخذ من ابن تيمية موقفه السلفي الصارم من المخالفين للسنة من الفرق والمذاهب الاخرى كالشيعة، والثورة الحاكمية من سيد قطب، في ما سمي بتيار الصحوة، الذي تناسلت منه السلفية الجهادية.

الاتجاه الثالث :- السلفية الجهادية

تشكلت البذور الأولى للسلفية الجهادية في سورية، وسط بيئة عالمية واقليمية شهدت عدة صراعات ساخنة، مثل حربي الخليج الاولى والثانية، وحرب البوسنة والهرسك، وانتهاء حرب افغانستان ضد السوفييت، وعودة العديد من الافغان العرب الى بلادهم، والاهم من ذلك انتشار ظاهرة اشرطة الفيديو والكتب، التي تحرض الشباب على الجهاد، وتتحدث عن المجازر التي يتعرض لها ابناء السنة، كل ذلك خلق مناخا يغري الشباب بالفكر الجهادي الذي لا تعود اصوله الى الفكر السلفي الشامي، او الى الفكر الألباني، بقدر ما يبدو تأثره برموز الجهاد الافغاني (وبشكل محدد) كاريزما الشيخ عبدالله عزام (امام مسجد صويلح) المنحدر من جماعة الاخوان المسلمين، الذي مثل مفصلا تاريخيا مهما في تطور فكر الطليعة المقاتلة السورية، نحو قاعدة الجهاد العالمي.