المدرسون الاجانب في جامعاتنا الخاصة
أخبار البلد - ا. د. عبد المجيد القيسي
أعلن مجلس هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي قبل أيام عن خفض نسبة أعضاء هيئة التدريس المتفرغين من غير الأردنيين من (50%) إلى (25%) من مجموع أعضاء هيئة التدريس المتفرغين على مستوى التخصص ومستوى الجامعة ضمن معايير الاعتماد على أن يبتّ المجلس بالحالات المتعلقة بالتخصصات "النادرة".
بداية يُسجل لمجلس الهيئة ولرئيسه الشكر والتقدير على هذه الخطوة الشجاعة التي أثلجت صدور حملة شهادة الدكتوراه من الأردنيين، وبخاصة أن الكثيرين منهم عاطلون عن العمل بسبب احتلال غير الأردنيين لجامعاتنا الأردنية الخاصة، وسلب الأردنيين فرص العمل. وقد كنا نتمنى أن يتم تطبيق هذا القرار اعتبارا من بداية العام الدراسي 2014/2015 وليس العام الذي يليه.
وفي هذا الصدد، لا بد أن نذكر جملة من الملاحظات التي كانت تستدعي صدور هذا القرار منذ زمن بعيد، والذي نأمل أن لا يتم التراجع عنه مستقبلا استجابة لضغوط أصحاب الجامعات الخاصة وغيرهم من أصحاب المصالح:
1- إن عدد أعضاء هيئة التدريس من غير الأردنيين العاملين في الجامعات الأردنية، الحكومية والخاصة، يزيد على (1000) عضو هيئة تدريس غير أردني، يضاف إليهم نحو (500) آخرين غير أردنيين يعملون تحت مسمى (غير متفرغ) ومسميات أخرى، لكنهم على أرض الواقع متفرغون. إن هذا العدد الضخم يعني أنه تم حرمان (1500) عائلة وأسرة أردنية من حق الحصول على فرص عمل وعلى دخول شهرية بسبب تجيير هذه الفرص لصالح غير الأردنيين.
2- إن أعضاء هيئة التدريس من غير الأردنيين العاملين في الجامعات الأردنية هم غالبيتهم، إنْ لم يكن جميعهم من المتقاعدين من مؤسسات التعليم العالي والمؤسسات الحكومية والخاصة في بلادهم، ويتقاضون رواتب تقاعدية تصل إلى ما بين (2000 – 3000) دينار أردني ويحصلون في الوقت نفسه على رواتب في جامعاتنا الخاصة لاتقل عن ألفي دينار أردني شهريا، مما يعني أن عضو هيئة التدريس غير الأردني يحصل على دخل شهري يقارب الـ (4000) دينار أردني شهريا كحد أدنى. يضاف إلى ذلك حصولهم على رواتب تقاعدية من الضمان الاجتماعي في الاردن عند انتهاء خدماتهم. ومقابل هذا كله، هناك المئات من حملة شهادة الدكتوراه من الأردنيين العاطلين عن العمل.
3- إن الرواتب التي يتقاضاها حملة شهادة الدكتوراه من الأردنيين في الجامعات الخاصة تتراوح ما بين (1000 – 2000) دينار أردني كحد اقصى على الرغم من أن الجامعات التي تخرج منها غير الأردنيين ليست أفضل من الجامعات التي تخرج الاردنيون منها. ولعل السبب في ذلك أن أصحاب الجامعات الخاصة يفضلون غير الأردني بسبب إمكانية التحكم به والسيطرة عليه واستعداده لتنفيذ رغباتهم ومطالبهم وبخاصة فيما يتعلق بمنح الطلبة علامات مرتفعة لا يستحقونها، لأن مثل هذا الأمر سيزيد من الاقبال على جامعاتهم. وقد وصل الأمر بعميد إحدى الكليات في إحدى الجامعات الخاصة الواقعة على الطريق باتجاه المطار، وهو غير أردني، أن طلب من المدرسين في كليته أن تتم زيادة علامات الطلبة وبحيث لا يتخرج من كليته أي طالب بمعدل مقبول. وقد مارس هؤلاء المالكون للجامعات الخاصة الكثير من الضغوط لمنع تأسيس نقابة لاساتذة الجامعات الاردنيين كون ذلك سيمس مصالحهم.
4- يشغل عدد لا بأس به من أعضاء هيئة التدريس غير الأردنيين في الجامعات الأردنية الخاصة مناصب ادارية (عميد، نائب عميد، رئيس قسم ...الخ) مما يتيح لهم التحكّم بمفاصل الحياة الأكاديمية في تلك الجامعات، وعلى النحو التالي:
- فرض الكتب الأكاديمية المؤلفة من قبل مؤلفين غير أردنيين والحيلولة دون اعتماد الكتب الخاصة بالأردنيين حتى ولو كان الأردني يعمل في الجامعة نفسها. وقد وصل الأمر إلى حد إعتماد كتاب لمؤلف غير أردني، يمكن تصنيفه تحت بند "سرقة علمية".
- التحكم في الترقيات والتعيينات، إذ غالبا ما يتم وضع العراقيل أمام الأردنيين الذين يتقدمون للترقية العلمية، أو المتقدمين للعمل في هذه الجامعات.
- احتكار برامج الماجستير، إذ يتم إبعاد الأردنيين عن التدريس في هذه البرامج، أو الاشراف أو حتى المناقشات، بل وصل الأمر في إحدى الجامعات الخاصة في العاصمة عمّان أن يكون المشرف وأعضاء لجنة المناقشة الداخليين وحتى المناقش الخارجي من جنسية واحدة.
- الاستحواذ على التدريس الإضافي، حيث يحصلوا على نصيبهم المحدد وفق التعليمات من الساعات الاضافية، ويقومون بتدريس ساعات إضافية زائدة عن الحد المقرر تحت أسماء وهمية لمدرسين أردنيين.
- التساهل مع الطلبة فيما يتعلق بالعلامات دون حسيب أو رقيب، بل والتساهل مع طلبة الدراسات العليا لأن المهم هو كسب رضا الطلبة من أجل تسجيل أكبر عدد منهم لديهم، وإبراز الدكتور الأردني بمظهر الفاشل، حتى أن أبحاث التخرج التي يعدها طلبة البكالوريوس ورسائل الماجستير أصبحت بمستوى مواضيع الانشاء والتعبير التي يكتبها طلبة الصفوف الابتدائية.
- الابتعاد عن الطلبة وتحاشي الاختلاط بهم مما خلق فجوة بين الطلبة وبين المدرّسين، الأمر الذي حرم الطلبة من فرصة الحصول على التوجيه اللازم لهم في حياتهم الجامعية والمجتمعية. وقد ساهم هذا الأمر في توسيع ظاهرة العنف الجامعي، لا بل إن هؤلاء المدرسين يسارعون إلى الدخول إلى مكاتبهم وإغلاق الأبواب خلفهم عند اندلاع أي حادث، بدل المسارعة إلى إخماد الحريق.
- نتمنى على هيئة الاعتماد التدقيق أكثر في قضية التخصصات النادرة. فعلى سبيل المثال، وفي إحدى الجامعات الخاصة، يحتكر مدرس غير اردني، حاصل على درجة الدكتوراه في ادارة الاعمال، تدريس مادة "الانتاج والعمليات" ويتم الحصول على الموافقات اللازمة لمنحه تصريح العمل من خلال الادعاء بأن تخصصه هو الانتاج والعمليات، علما ان هذه المادة هي احدى المواد التي يتم تدريسها ضمن برنامج ادارة الاعمال، وبامكان أي شخص حاصل على درجة الدكتورة في ادارة الاعمال ان يقوم بتدريسها.
- وفي النهاية نقول: الأردنيون من حملة شهادة الدكتوراه متوفرون بكثرة، وهم أصحاب كفاءات، وقادرون على أداء عملهم بكل أمانة وإخلاص إذا أتيحت لهم الفرصة للعمل، لا بل انهم، وحينما تتاح لهم فرصة العمل داخل المملكة وحتى خارجها، يثبتون كفاءتهم وجدارتهم ويتفوقون على نظرائهم من الاخوة العرب. فلماذا يتم حرمانهم من فرص العمل داخل المملكة؟ ولماذا يستحوذ الآخرون من غير الاردنيين على هذه الفرص؟ وهل الأردني مضطر للعمل خارج بلاده والتعرض لأقسى الظروف وأسوأ معاملة في حين من المفروض أن يكون في وطنه، بين أهله وعائلته، يسهم في بناء الأردن ورفعته ونهضته؟ والسؤال الأهم الذي نتمنى على المسؤولين الاجابة عنه: هل يُــسمح للأردني في بلد عربي بالاستحواذ على فرصة عمل هي من المواطن من أبناء ذلك البلد؟