انتصار بالجملة وهزيمة بالتقسيط!


 
إن عقب أخيل الصهيونية وبالتالي نقطة ضعفها هي إدمان النصر السريع وبالجملة بحيث أصبح لديها وهم مزمن بأن كل الحروب تحسم لصالحها. وبالتالي تقبل نمطاً واحداً من التفاوض مع العرب، يبدو فيه أي انسحاب ولو لمتر واحد من الأرض بمثابة التفضل والتنازل الطوعي وهذا بالضبط ما قاله شمعون بيرز قبل أعوام أمام الكنيست الأمريكي أو الكونغرس لا فرق، وحصد بضع دقائق من التصفيق وقوفاً!
وأسباب هذا الإدمان للنصر السريع وبالجملة والذي كانت حرب الساعات الست وليس الأيام الستة كما يقال نموذجه باتت معروفة، فهي ليست بفائض قوته وجبروته العسكري كما يتصور البعض، بل بفائض آخر مضاد هو فائض التناحر العربي، وتفتيت الكتلة القومية، تبعاً لوصفة كسنجر عندما جربها في فك الاشتباك بعد حرب عام 1973، وحين أتأمل ما قاله الكاتب اليهودي الساخط على إسرائيل والصهيونية شلومو رايغ وهو أن إسرائيل ستظل تقفز من نصر إلى نصر نحو هزيمتها أجد أن في هذه المقولة بعداً بالغ الأهمية من الناحيتين الاستراتيجية والسايكولوجية فهي تهزم لكن بالتقسيط، وعبر مراحل تتصاعد فيها وتيرة المقاومة وإذا أخذنا العدوان الشامل الآن على غزة ومن ثم تمدده إلى باقي فلسطين نجد أن سايكولوجيا الانتصار قد جرحت وأن ما كان يقيناً لدى اليهود بأن إسرائيل اسبارطة ذات خوذة حديدة بمساحة البلاد أصبح قابلاً لعدة شكوك.
وثمة عدة مظاهر أو تجليات ميدانية لانكسار الوهم، منها القبة الحديدية الخائبة التي يكلفها كل صاروخ تطلقه لإبطال مفعول الصواريخ القادمة من غزة خمسين ألف دولار، إضافة إلى فشل هذه القبة التي أصبحت حريرية وليس حديدية حال دون تسويقها بل تحول إلى إعلان تحذيري من استخدامها!
ومن هذه التجليات أيضاً حالة العُصاب والتوتر النفسي التي بدأت تتفاقم في الملاجئ والبيوت، ومنها حالات غريبة من الانهيار العصبي من طراز ذلك المستوطن الذي لا يكف عن الصراخ لأنه يسمع أصوات أقدام تحت البيت وتلوح له أشباح خلف النوافذ.
ومن هذه التجليات المضادة لإدمان النصر اعتراف نتنياهو وبالعبرية الفصحى أنه لم يحقق الانتصار لكنه يفعل ما عليه أن يفعله.
إن ما كان انتصاراً بالجملة أصبح هزيمة بالتقسيط، وهذا بحد ذاته فصل جديد في الصراع!