خيارات اردنية في زمن عاصف !!


 

 

 

 بحكم الجغرافيا والتاريخ والاستراتيجية والقومية والدين والتركيب الاجتماعي فإن الأردن لن يكون بمنأى عن الهزات الارتدادية الناجمة عن زلزال التغيير الذي هز العالم العربي وتتوالى نبضاته من بلد الى بلد ،لذلك فإن على الغيورين على الأردن أن يحاولوا وضع الخطط الكفيلة بالاستفادة من تلك الهزات لتكون هزات صحو واستيقاظ لا هزات مدمرة.

 

مما لا شك فيه أن النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي في الأردن في حالة أزمة ونخشى انه يسير في طريق مسدود فأخر ميزانية أظهرت عجزا ومديونية ونفقات لا تستطيع الدولة أن توفرها وأصبحت الدولة تعاني من خيارين متناقضين مُرّين فهي إذا قامت بخطوات تقشفية لتغطية العجز والمديونية والنفقات ستهبط بالوضع الاجتماعي والاقتصادي للمواطنين لدرجة أن تصبح الحكومة وربما الدولة في مهب الريح وهي إن استمرت بالدعم ورفع النفقات الجارية دون تحسين الدخل الوطني والايرادات العامة ستدخل قطعا في حالة إفلاس وانهيار اقتصادي بتوابعه السياسية والاجتماعية .

 

 فما العمل وما هي الخيارات المتاحة للإصلاح نظريا هناك ثلاثة احتمالات:

 

 1- إصلاح في البنية السياسية والاقتصادية للنظام "قانون انتخاب تمثيلي واصلاحات إدارية ووظيفية" مع بقاء النظام الملكي كما هو..وهو ما سيحدث تقدما ديمقراطيا مُرضيا (حرية وتمثيل) مع درجة عالية من الاستقرار والطمأنينة .

 

 2- إصلاح في البنية السياسية والاقتصادية مع التحول إلى الملكية الدستورية "قانون انتخاب تمثيلي ،تقليل من الصلاحيات الملكية لصالح رئيس وزراء منتخب وحكومة تستند الى شرعية شعبية وليس الى شرعية التكليف الملكي. وهذا يحقق درجة أعلى من الديمقراطية(تمثيل +سلطة شعب +تداول) مع درجة أقل من الاستقرار والثبات.

 

 3- تغيير النظام الملكي نهائيا وهو ما سيهز رمز الدولة ووحدة البلاد و يؤجج الصراع الاجتماعي والسياسي والقبلي والعشائري والمناطقي مما سيقوض المملكة ،و ينهيها ككيان سياسي وكشخص اعتباري في المجتمع الدولي .

 

 هناك 4مخاطر داخلية تحيق بالأردن و قد تسهم في تفتت وانتهاء الدولة الأردنية وهي

 

ا-ألازمة الاقتصادية(1) فالدولة التي ايراداتها "حسب آخر موازنة" 2,7 مليار دولار مضطرة لدفع 2,9 مليار رواتب وتقاعدات دون ذكر النفقات الجارية الأخرى والنفقات الدفاعية وخلافه وقد باعت الحكومات المتعاقبة العديد من الأصول عبر سياسة الخصخصة وهو ما يعني أن هناك تناقصا وربما نضبا في الموارد الشحيحة أصلا مما يضع علامة استفهام كبيرة على قدرتها بالاستمرار وتحديدا مع تناقص الهبات والمنح وتراجع الاهتمام الدولي.يعني موارد متناقصة مع ضغط متزايد واضطراب مجتمعي حيث يصب الكثير من المتطرفين زيت التعصب والفرقة على نار الفقر.

 

 ب- القضية الفلسطينية وتؤثر على الأردن في محورين :

 

1- المحور الداخلي يمكن القول بشكل عام ان للدولة الاردنية مكونين رئيسيين "غرب اردني" ويعمل كممول للدولة و"شرق اردني" يديرها ويقودها ، فالفلسطينيون يشكلون تقريبا نصف السكان ومعظمهم يعملون في القطاع الخاص الذي يورد معظم الإيرادات العامة للدولة" الوعاء الضريبي للأردن" حيث أن مائة شركة خاصة تورد حوالي 52% من الواردات العامة والباقي من بقية الأعمال والحرفيين في القطاع الخاص..ومنح خارجية ..فإذا اضطربت معادلة التعايش القائمة فعلى الأغلب ان ينهار القطاع الخاص وحينها لن تتوفر الأموال الكافية لتسيير الدولة والإنفاق على جهاز امني وبيروقراطي ثقيل يصل الى 800000 ..أي حوالي 15% من السكان.؟؟؟ خاصة وان أصول كثيرة كالفوسفات والبوتاس و..و.. قد بيعت وتم خصخصتها إضافة الى تضاؤل المنح الدولية.

 

 2- المحور الخارجي يستقطب الأردن اهتماما عالميا بسبب موقعه وعلاقته بالصراع العربي الاسرائيلي ودوره في أي حل مقترح للقضية الفلسطينية ويهتم العالم باستقراره ليمارس دورا ما في هذا السياق ,وخارج ذلك فالأردن منطقة فقيرة وخالية من الموارد ولا تثير أي اهتمام أو انتباه دولي ولذلك فإن خروج الأردن من دوره الفلسطيني سيعني تراجع الاهتمام العالمي به ناهيك عن دعمه بالمنح والهبات .

 

 ج- التجاذب العشائري : البنية العشائرية في الأردن بنية قوية جدا وقبائله شديدة الاستقلالية ويتسم ابناؤها بالصلابة والانفة وقد كانت دوما عصية على الالحاق والاكراه من ايام الصليبيين وحتى العثمانيين وكانت في عصب جيش صلاح الدين الايوبي في حطين وقلب الجيش الفيصلي في الثورة العربية وعلى مر العصور لم تنجح اي عصبية من العصبيات في فرض نفسها وهيمنتها على العصبيات الاخرى ولذلك لم ينشأ فيها دولة موحدة او مركزية "على النمط الخلدوني"(2) كما حصل مع قبائل عنزة في الجزيرة والقواسم على الخليج والبوسعيد في عمان وقد كان الصراع والتنافر بينها أقوى من التجاذب ولذلك بعد انهيار المملكة السورية التي كان الأردن جزءا منها لم ينشأ في الأردن آية سلطة مركزية أو هوية وطنية جامعة وإنما حاولت كل منطقة أو قبيلة إنشاء الكيان الخاص بها وهذا ما يفسر الحكومات المتعددة (3)) التي لم تحمل أيا منها اسم الأردن أو صفة أردني..اربد –عجلون –السلط-مؤاب –الكوره- في الفترة ما بين 1918-1921ولم تتوحد هذه القبائل والكيانات إلا على يد الملك عبدالله الأول .والآن وبعد سنوات من قانون الانتخابات سيء الصيت"الصوت الواحد" وتعزيزه بالدائرة الوهمية عاد الشد العشائري والجهوي بقوة وأصبح الولاء العشائري فوق الولاء الوطني وهو ما اثر على الديناميكيات الاجتماعية بشكل كبير بدءا من الجامعات مرورا بالانتخابات والمشاجرات الجماعية وانتهاء بحمى الواجهات العشائرية التي أخشى تشكل بروفة لرسم الحدود بين المناطق والعشائر والقبائل ،حدود ولا اسهل من تكريسها في حال حدوث اضطراب او ضعف في الدولة.

 

 الوطنية الأردنية متمحورة حول الدولة والهاشميين فإذا انفرط عقدهما لن تتمكن الهوية الوطنية الأردنية من الصمود في مواجهة الطوفان العشائري.

 

وهنا اود ان أؤكد على نقطة جوهرية منعا لأي التباس وهي ان الحديث عن التجاذب العشائري والعشائرية ليس تهجما على العشائر فهناك فرق بين العشائر كنسب وانتماء وفضائل وبين العشائرية التي تعني وضع الانتماء العشائري فوق الانتماء الوطني ومصلحة العشيرة قبل مصلحة الوطن.

 

د- الهاشميون ومؤسسة العرش: قبل قدوم الملك عبدالله لم تكن فكرة الكيان الأردني مطروحة ولم تجر آية محاولة جدية لإنشاء هكذا كيان (2) ولم يكن هناك لا سوق مشترك ولاهوية وطنية جامعة مع إن" شرق الأردن" كان منطقة شبة مستقلة طيلة 3 سنوات فقد كان الانتماء الغالب عشائري او مناطقي، وحتى التوجه الوحدوي في اجتماع ام قيس لم ينجح في خلق حكومة موحدة فكان ان نشأت 3 حكومات محلبة ثم انقسمت لثمانية .

 

 قدوم الملك عبدالله خلق امكانية لاجتماع الرأي المحلي على زعامة موحدة ،اما الخطوة الفعلية لانشاء كيان اردني فقد ظهرت في مؤتمر القاهرة عام 1921 ثم في اجتماع القدس بحضور ونستون تشرتشل والامير عبدالله وعوني عبد الهادي وهربرت صمويل ولورنس حيث تقرر انشاء كيان على ان يخضع لفترة 6 اشهر تجريبية ثم يقرر لورنس إذا ما كان هذا قابلا للاستمرار.

 

وهنا لابد من الإشارة إلى المغالطة التاريخية التي تقول ان هناك عقد موقع ومبرم بين رؤساء عشائر والملك عبدالله حول أنشاء دولة الأردن وهذا أمر غير صحيح تاريخيا ولا يوجد هناك أي عقد من هذا القبيل.

 

الدولة التي أنشأها الملك عبدالله ومركزها الجيش هي التي صنعت الهوية الأردنية وليس العكس.وعليه فإن أي اهتزاز في مكانة الهاشميين هو اهتزاز واضطراب لرمز الوحدة وسيعيدنا الى مربع التنافس والصراع.

 

بالمحصلة للاستمرار ككيان في منطقة مضطربة الأردن بحاجة إلى اصلاح شامل وبناء نظام ديمقراطي برلماني و معادلة توازن بين المكونات تضمن الاستقرار والاستمرار.

 

ان الاصلاح الطلوب هو ما يتناسب مع الخصوصية الاردنية ،اصلاح يحقق التقدم والديمقراطية وارفاه ،وينجز المواطنة والعدل والأمان ,كما انه لا يؤثر بأي حال على الاستقرار السياسي والمجتمعي بمعنى ان يتحقق الاستقرار والتوازن بفعل استمرار السلطات الملكية كما وتتحقق الحرية الديمقراطية بشقيها " التمثيل والتداول" برئيس وزراء ذو أغلبية برلمانية .

 

اردن أجمل يكون لكل اردني فيه نصيب عادل من السلطة والثروة.

 

وهنا يمكن وضع بعض الخطوط العامة :

 

-الملك رمز وحدة واستقرار الوطن وضابط التوازن والفصل بين السلطات الثلاث ,يكون الجيش والامن تحت اشرافه المباشر، يضمنان امن ووحدة واستقرار البلد حيث يعين الملك قيادة الجيش والامن العام والمخابرات وكذلك مجلس الاعيان ورئيس مجلس القضاء.سلطات الملك ضامن للاستقرار والاستمرار .

 

-سيادة القانون فوق الجميع ، وجميع المواطنين آمنين على مواطنتهم ومتساوين في الحقوق والواجبات .

 

-تدار البلد من قبل مجلس وزراء يمثل الاغلبية الشعبية"النيابية" يكلفه الملك بعد المشاورات الالزامية.

 

-قانون انتخابات عصري يمثل كافة المواطنين تمثيل حقيقي يستفتى عليه.

 

-قانون أحزاب عصري -إزالة القيود عن حرية التعبير والصحافة -نظام رقابي مالي وإداري يتميز بالشفافية .

 

-نظام تعليمي تقدمي ومستنير مسنود بنظام قبول جامعي عادل. جميع ابناء الاردن سواء كانوا من شرق النهر او من غربه مدعوون للحفاظ على قوة الاردن واستقراره ووحدة اراضيه و التمسك برموزه الوطنية وبسيادة القانون.

 

اللحظة التاريخية الراهنة لحظة وحدة وليست لحظة تفتت وانشقاق .

 

اننا بحاجة جميعا الى الارتفاع فوق الهويات الجهوية والفرعية لمستوى الهوية الوطنية الاردنية التي هي جزء لا يتجزأ من الامة العربية المنتفضة والعائدة الى قوميتها والى الفعل التاريخي والحضاري يقوة الثورة العربية المجيدة والجماهير الهادرة في اقطار"محافظات" الوطن العربي الكبير .