أهلاً مهرجان جرش

 

دلّ احتفاءُ المثقفين والفنانين في بلادنا بتعهّد رئيس الوزراء معروف البخيت، في بيان الحكومة لنيل ثقة مجلس النواب، بإعادة الألق إلى مهرجان جرش، على خطأ إلغاء المهرجان قبل أكثر من عامين. وكان باعثاً على الغبطة أنّ وزير الثقافة طارق مصاروة، أعلن، قبل أيام، أنّ الوزارة تسعى إلى إعادة إنتاج مهرجان جرش، وأنّه أصاب في تشخيصِه أسباب تراجع مستوى المهرجان في سنواته الأخيرة، ومنها أنّ لجنته العليا تخلَت عنه، وأنّه لم يُجدّد نفسه. حديث الوزير ينمُّ عن إحساسٍ وطنيّ لديه بوجوب دوْرٍ للحكومة في مبادرةٍ منتظرةٍ لإحياء المهرجان العتيد وحمايته من الرتابة، والحفاظ عليه باعتباره منجزاً أردنياً قادراً على أنْ يظلّ في صدارة المهرجانات العربية والعالمية المتنوعة، وعلى أنْ يُسْهم في تعريف الأردنيين بإمكانات بلدهم السياحيّة والفنية، وقبل ذلك وبعده، بجرش مدينةً رائقةً، تستحقّ الحنوّ عليها والاعتزاز بها، ليس بالإنشاء الدعائيّ إياه، بل بدوام زيارتِها والتجوّل، مع أهلها وناسِها، في مطارِحِها الأثرية والحديثة.

 

نتذكّرُ مهرجان جرش لمّا كان على أروع ما يكون، في سنواتِ إدارة الدكتور مازن العرموطي الذي يحسنُ التأشيرُ إلى فضلِه في إطلاقِ فكرة المهرجان، مع الدكتور عدنان بدران إبّان رئاسته جامعة اليرموك التي كانت الحاضنة الأهم للمهرجان. ونتذكّره يواصل تميّزه في سنوات إدارة شيخ الشباب أكرم مصاروة الذي اجتهد كثيراً في إبقاء مهرجانِنا مناسبةً سنويةً للفرح وإمتاع الذائقة. ونتذكّر أيضاً أنّ الضعف بدأ يتسرّب إلى "جرش" لمّا جرى نقلُ مسرحياتٍ وحفلاتٍ وأمسياتٍ عديدةٍ في المهرجان إلى عمّان. حينها، بدأ مسار المهرجان يتراجع، وصارت الأضواء تبتعد عنه وتغيب، ولم يعدْ له الألقُ الذي كان عليه، ويَعِدُ، الآن، رئيس الوزراء بإعادته. ولأنّ الأمر كذلك، فالإدارة الجديدة للمهرجان، في عودته المرتقبة، مدعوةٌ إلى التخلي عن ذلك الخيار. ولن يكون في الأمر انتقاصاً من عمّان، لا سمحَ الله، بل إعادة مهرجان جرش إلى تسميتِه الأُولى والأصح، واستعادة المدينة الأثرية هناك كلّ أنوارها، عندما يحرصُ الأردنيون وزوارهم وضيوفهم في الصيف على الترويح عنهم في مكانه، في المسرحيْن الجنوبيّ والشماليّ ومسرح أرتيمس وفي شارع الأعمدة، وغيرها في البقعة الأثرية التي نُغالب شوقاً خاصّاً للتمشّي فيها مع عائلاتنا وأصدقائنا، بعد سنواتٍ لم نُبادر فيها إلى أيّ مشوارٍ إلى هناك.

 

أهلُ الخبرة ممن عملوا في دورات المهرجان، وأهل الدراية في التنشيط الثقافيّ والفني، ونقابة الفنانين ورابطة الكتاب الأردنيين اللتان دعتا في بيانٍ غير منسيّ، قبل أزيد من عام، إلى إعادة الحياة إلى المهرجان والحفاظ على منجزه الثقافيّ الممتدّ 25 عاما، وطالبتا فيه بدورٍ للمختصين من فنانين ومثقفين في إدارة المهرجان ليتجاوز عثراته السابقة، كلّ هؤلاء وغيرُهم مدعوون إلى إشاعة نقاشٍ موسعٍ، يخلصُ إلى خطةٍ وطنيةٍ لرعاية المهرجان ومأْسَستِه، بتشكيل إدارةٍ مستقلة له، وتنظيم هيكلياتٍ مرنةٍ فيه، تُنَسَّقُ مع وزارتي الثقافة والسياحة، وتطلبُ كلّ عونٍ من المؤسسات والهيئات الحكومية والأهلية، لتيسير الصيغ التي من شأْنها إعادة الوصل بين الأردنيين والمهرجان الوطني الكبير، فيتقاطرون في الصيف المقبل إلى جرش، استدعاءً لبهجةٍ نحتاجُها جميعاً، وقد عفَّرَنا كثيراً غبارُ كآبةٍ شديدةِ الوطأةِ في غير مسألة.