أصحاب الفهم البطيء

محمد علاونة
إذا كان الرهان على إنهاء المقاومة في غزة من قبل أصحاب الفهم البطيء، فذلك لا يعني سوى سطحية وضيق أفق في رسم سياسات عامة أو تلك متعلقة بدول بعينها، كون المقاومة الفلسطينية مستمرة منذ أن بعث الخائب آرثر جيمس بلفور رسالة إلى الأكثر خيبة اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد في 1917 يشير فيها إلى تأييد الحكومة البريطانية لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
هذا من جهة، أما إذا كان الرهان على تقويض ما يعرف بـ»الإسلام السياسي»، من خلال إضعاف الحركات الإسلامية وعلى رأسها «حماس» في غزة، فذلك أكثر سطحية، كون الإسلام عقيدة متمكنة في الأنظمة والدساتير-عربية وأجنبية- غير وجود نحو 1.7 مليار مسلم منتشرون في كلٍّ من بلدان العالم البالغ عددها 232 بلدا وإقليمًا.
ما يحدث بالتوازي مع العدوان الاسرائيلي الهمجي على غزة وتصدي المقاومة له، وجود خذلان عربي وشجب خجول حتى إن ذوي القربى تبرعوا بدعم مادي ومعنوي لذلك العدو الأبدي، ليس بجديد ومن يشكك عليه أن يعود إلى التاريخ ويقرأ كم من المؤامرات حيكت ضد الشعب الفلسطيني والشعوب الاسلامية بشكل عام؛ سواء من قبل دول الغرب أو من العرب أنفسهم.
ما هو جديد ويمكن قراءته بتمعن، اندلاع ربيع عربي للمرة الأولى منذ الاستعمار البريطاني والفرنسي وغيرها، وهذه المرة تختلف كونها ضد شقين الأول الاستعمار والثاني الانظمة العربية المتسلطة، ويكفي ملاحظة التحولات الجذرية التي شهدتها بلدان في المنطقة، وأصبحت معتادة كونها مستمرة رغم أنها غير مسبوقة.
غريب ذلك الفهم البطيء الذي وضع ميزان قوته في كفة خاسرة وهذه المرة مع «إسرائيل»، ومن قال أنه تحقق ما يرغب هؤلاء بمحو المقاومة وما يدعمها من قوى سياسية اسلامية، فالحال في مصر وليبيا والجزائر وسوريا ولبنان وتونس وفلسطين وحتى الاردن دليل واضح على أن الربيع بدأ ولن يتوقف قبل إحقاق العدالة والمساواة والرفاه لتلك الشعوب، التي استعمرت من أنظمتها بعد أن تحررت من الأجنبي.
معادلات ومعايير الحكم السابقة لم تعد سارية المفعول بوجود من يتسلط من فوق ويصيغ القوانين والانظمة وتتبعه عامة الناس إلى ما لا تدري، فاليوم أصبح للشعوب كلمتها بعد أن انتزع الخوف من الصدور، فكيف ستكون تلك الكلمة أكثر قوة ضد «إسرائيل» نفسها ومن يواليها.
لا يوجد تفسير آخر غير أن من يراهنون على تسلطهم و»إسرائيل»، لم يتبق لديهم شيء، وذعرهم الشديد على مكتسباتهم هو ما يحركهم الآن، كونهم بلغوا مراحل متقدمة من ربيع عربي بنسخ متعددة، لكن المشكلة أن فهمهم ما زال بطيئا..بطيئا جدا.