من يتظاهر «فاسد وحاقد ونذل وحقير»!!
من الواضح أننا في أمسّ الحاجة إلى قانون يجرّم الكلام العنصري ، ليس فقط على صعيد الأفراد ، بل على صعيد الناس والأحزاب والجماعات ، لأن من يشتم شخصا بعينه ليس أقل جرما ممن يشتم عشرات الآلاف ، فضلا عن الملايين. ولا ينبغي أن يستثنى من هذا القانون أي أحد ، أكان من السلطة التنفيذية أم التشريعية أم الصحفيين (السلطة الرابعة) ، وصولا إلى سائر المواقع الأخرى ، فالعنصرية هي العنصرية أيا كان مصدرها.
ما تفوه به أحد النواب أول أمس الخميس أمام أعضاء المجلس ومن حضر من أعضاء السلطة التنفيذية هو كلام موغل في الهجاء والعنصرية لا ينبغي أن يمر مرور الكرام ، فهو ابتداءً وجّه إهانة شخصية لقطاع واسع من الناس ، ثم امتد ليشمل نصف المجتمع بطريقة جمعية ومباشرة ، وللنصف الثاني بطريقة غير مباشرة حين جعله غير مؤهل للمطالبة بالإصلاح ، مع أنه كذلك من دون شك ، كما كان في جوهره إهانة لكل أبناء المجتمع الذين يرون أن من حقهم التعبير عن رأيهم ضمن ما يسمح به القانون والدستور من دون أن توجّه لهم الإهانات من أي أحد ، فضلا عن أن يُستهدفوا بشكل مباشر بهذه الطريقة أو تلك.
كيف يقبل عاقل أن يقول نائب على الهواء مباشرة إن من يشارك في المظاهرات هو "فاسد وحاقد ونذل وحقير" ، فضلا عن كلمات أخرى لم تحتمل وسائل الإعلام المقروءة نقلها للقراء كما ذكر بعضها. ولم يتوقف عند ذلك ، بل خصّ فئة من المتظاهرين بالقول إن على من لا يعجبه الوضع أن يتوجّه إلى جسر الملك حسين ، كأن المتظاهرين كانوا من فئة دون غيرها ، مع أن الواقع لم يكن كذلك بحال من الأحوال.
إنه اعتداء سافر على مئات الآلاف ممن خرجوا في المسيرات طوال الأسابيع الأخيرة ، وهم لم يكونوا من مدينة عمان وحدها ، بل من سائر مدن المملكة ، ومن شتى المنابت والأصول ، كما أنهم لم يقولوا إنهم يريدون تغيير النظام حتى لو ذهب بعضهم نحو الحديث عن تغييرات دستورية معينة.
حين يسعى البعض إلى التعبير عن عقده بهذه الطريقة المثيرة فلا ينبغي أن يفعل ذلك أمام مجلس النواب ، بينما "الكاميرات" تصور وتسجل ، فمثل هذا الكلام يسيء للبلد وكافة أبنائه ، وإذا أراد أحدهم أن يتخلى عن أصله وفصله من أجل أن يثبت ولاءه للأردن ، فإن الآخرين لا تتملكهم هذه العقدة ، فهم يعتزون بأصولهم في ذات الوقت الذي ينتمون فيه للأردن ويدافعون عن ترابه ، تماما كما ينتمون لفلسطين ويدافعون عن أرضها ومقدساتها.
لقد زاد الأمر عن الحد المحتمل ، وما نسمعه بين حين وآخر لا يندرج ضمن إطار حرية التعبير ، وحين يقال للمتظاهرين إن على من لا يعجبه الحال أن يذهب إلى جسر الملك حسين ، فذلك تطاول على الناس ، مع العلم أن المعنيين بالخطاب سيذهبون بالفعل حين يكون ذلك ممكنا ، وسيذهب معهم إخوانهم من شتى الأصول والمنابت ، لأن فلسطين ليست للفلسطينيين وحدهم ، وإنما لكل العرب والمسلمين ، ومن أجل تحريرها سيبذل الجميع أغلى ما يملكون ، وقد بذل أردنيون وعرب ومسلمون دما عزيزا بالفعل من أجلها في أزمان ماضية حين سمحت الظروف بذلك.
الذين يتظاهرون في الشوارع ليسوا فاسدين ، وعناوين الفساد معروفة على أي حال ، وهم ليسوا حاقدين (حاقدون على من؟ هل يحقدون على أنفسهم ووطنهم؟،) ، كما أن النذالة والحقارة ليست من أخلاقهم ، ودليل ذلك أن أيا من المتظاهرين لم يتعرض للممتلكات العامة أو الخاصة ، مع أن شيئا كهذا يحدث في أرقى الدول الديمقراطية.
إننا ننتظر مواقف عملية ضد هذا اللون من السباب والتحريض ، أيا يكن مصدره ، هو الذي تكاثر علينا في الآونة الأخيرة في وقت نحن أحوج ما نكون إلى لمّ صفوفنا ، لاسيما أن الخطر الصهيوني على الأردن لا يزال ماثلا أمام أعيننا ونسمعه كل يوم بآذاننا ، ولن نواجه هذا الخطر ، ومعه خطر النزاع الداخلي إلا بوحدة وطنية تحميها قوانين وإجراءات صارمة ضد خطاب العنصرية والتفتيت.