التكييف الشرعي لرهن النقود في البنوك الإسلامية
د. عبد الباري مشعل
تلجأ البنوك لرهن النقود في مقابل التسهيلات والتمويلات التي تمنحها لعملائها، ولرهن النقود أحوال مصرفية، وضوابط فقهية، ولتحقيق الامتثال الشرعي يجب المواءمة بين الأمرين. ويتناول هذا المقال الأحوال المصرفية أولًا ثم التكييف الفقهي.
ويتخذ رهن النقود أشكالاً مختلفة، منها الحجز على الحسابات الجارية، أو التسجيل في حسابات بنكية داخلية باسم «تأمينات نقدية»، وقد يتم الحجز على الحسابات الجارية في حالات محددة كالحجز على الراتب بعد إيداعه في الحساب بغرض اقتطاع المستحق لبطاقة الائتمان، أو حالة العملاء المتأخرين عن السداد، فيتم الحجز على أي مبالغ تودع في حساباتهم الجارية. أما حسابات التأمينات النقدية فتستعمل غالبًا مقابل تسهيلات خطابات الضمان، والاعتمادات المستندية.
والجدير بالذكر أن الحجز على الحسابات الجارية، أو إيداع المبالغ في حساب التأمينات النقدية لا يعني أن المبالغ محرزة بشكل مستقل، وإنما مختلطة بباقي الأموال في البنك، عدا أنها مميزة حسابيًا فقط. وتعامل مصرفيًا معاملة الحسابات الجارية وأموال المصرف من حيث الضمان، أي أن أصولها مضمونة على المصرف، وأرباحها إن استثمرت من حق المصرف.
هناك خلاف فقهي في رهن النقود وهي الذهب والفضة، لأن طبيعة الرهن تقتضي بيع الأصل ليُستوفى من ثمنه، وهذه بطبيعتها أثمان فهي محل الاستيفاء، لكن ذهب بعض الفقهاء إلى جوازه، ويؤيده ما لو تم رهن ما يسرعُ إليه الفساد كالفاكهة والخضار فإنها تباع ويكون ثمنها رهنًا لدى بعض الفقهاء. وفي حكم الذهب والفضة رهن النقود الائتمانية المعاصرة.
والواجب شرعًا في الرهن، حفظه كأمانة في حرز خاص به، وعدم الاستفادة منه، إلا بأجر مثله، لشبهة الربا على الضمان أو الدين الذي أخذ بسببه ولكن يتعذر وضع النقود المرهونة في الحالين السابقين في حرز خاص بها، أو وضع الرهن الخاص بكل عميل في حرز خاص به، بل هي كما سبق بيانه مختلطة بأموال البنك وبالضرورة يستفيد البنك بالتصرف فيها والحصول على عائدات إن وجدت. وتجنبًا للشبهة وجهت المعايير الشرعية بضرورة نقل النقود المرهونة من الصيغة الحالية للحجز إلى الحسابات الاستثمارية مع الحجز عليها، حيث تستثمر في هذه الحسابات لصالح العملاء وفقًا لأحكام المضاربة والوكالة، وتنتفي شبهة استفادة البنك من الرهن.
وقد يتعذر النقل للحسابات الاستثمارية بسبب قصر المدة، أو عدم وجود حسابات استثمارية في البنك، وبالتالي ستبقى النقود التي أخذت صفة الرهن على حالها التي هي عليه قبل الرهن. فما هو التخريج الفقهي لهذه الأيلولة؟ من المقرر فقهًا أن أموال الأمانات في حال خلطها بأموال الأمين، أو تصرف الأمين بها، فإنه تكون مضمونة على الأمين، ويكون له خراجها أو عائدها بسبب الضمان تطبيقًا لقاعدة الخراج بالضمان والغرم بالغنم.
وفي ضوء هذا التصور يمكن القول: إن النقود المرهونة أمانات لدى البنك، والأصل في الأمانات عدم الضمان إلا في حال التعدي والتقصير، لكن لما كانت هذه الأمانات غير موضوعة في أحراز مستقلة، وتم خلطها بأموال الأمين، وأتيح له التصرف فيها بإذن أصحابها، فإنها تعد مضمونة على الأمين بموجب الخلط والتصرف، وما دام المصرف ضامنًا لها فإن له الحق في الانتفاع بها والحصول على عوائدها في مقابل الضمان عملا بقاعدة الخراج بالضمان.