الصراع والتحول الاجتماعي

الصراع الاجتماعي ظاهرة اجتماعية موجودة منذ تكون المجتمع الإنساني. وهو موجود على مستويات عدة؛ منها الفردي والجماعي داخل المجتمع الواحد، كما على المستوى الدولي أو بين الدول. لذلك، فالصراع هو عملية أساسية وجوهرية في تطور المجتمع الإنساني، وهي عملية حتمية في العلاقات والتفاعل بين الأفراد والجماعات. لكن ما هو ليس حتميا، أن يكون الصراع عنيفاً أو مفتوحاً، لأنه يمكن أن يكون مدمراً للأطراف المتصارعة، أو أحدها على الأقل.
دور الصراع في التحّولات الاجتماعية يمكن أن يكون بنّاء، إذا قامت الأطراف المتنازعة بالاعتراف بمشروعية المصالح والاحتياجات لكل الأطراف الموجودة أو المشاركة في عملية الصراع. النظرة البناءة للصراع تسعى عادة إلى إيجاد بيئة اجتماعية وسياسية تفسح المجال للتصدي للصراع من جذوره، وتعزّز البدائل التي لا تستخدم أساليب عنيفة أو لا تستخدم القوة في حلّ الصراع.
الاتجاهات السلبية أو العنيفة للتعامل مع الصراع، تتلخص في جهود الأطراف المتنازعة لحل الصراع بطريقة أحادية ولمصلحة طرف واحد، على حساب الطرف الآخر. وهناك ثلاثة أساليب طورتها المجتمعات للتعامل مع الصراع في المجتمع.
أولها، منع حدوث الصراع، والذي يتطلب تحديد الظروف التي يمكن أن تؤدي للصراع، ومحاولة إيجاد الحلول لها قبل وقوعه. وليس الهدف في هذا الأسلوب رفض الصراع أو إلغاؤه، وإنما إيجاد وسائل سلمية لمعالجة الأسباب أو الظروف المؤدية إليه. وعادة ما تكون هناك أنظمة لرصد المؤشرات التي يمكن أن تؤدي إلى اندلاع الصراع، والاستفادة منها في عملية الوقاية.
ثانياً، إدارة الصراع. وتركز على الأساليب الكفيلة بالسيطرة عليه، والتخفيف من مخاطره وآثاره السلبية. وهذا بحد ذاته أمر إيجابي؛ لأنه قد يؤدي إلى إيجاد حلول وسط لإنهاء الصراع وإدارته، والتي قد لا تقود إلى حل الصراع من جذوره ولكن تقوم باحتوائه.
ثالثاً، حل الصراع. ويركز على حل أو معالجة الصراع من جذوره من أجل تجاوزه، وإيجاد آليات دائمة للتعامل مع احتمال اندلاع الصراع مستقبلاً، وهذا لا يمكن أن ينجح إلا إذا تمت معالجة الأسباب المؤدية للصراع.
توجد أشكال عديدة من الصّراع في مجتمعاتنا وعلى مستويات مختلفة، لا بل يبدو أننا نعيش في حالة مستمرة من الصّراع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والذي تتجلى معالمه في انتشار العنف والقهر والاضطهاد، سواء كان سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً. كما يتضح أيضاً أن حالات كثيرة من الصراع تستخدم فيها الأساليب العنيفة التي لها نتائج مدمرة على المجتمع بشكل عام، وعلى المتصارعين أنفسهم بشكل خاص. والعديد من المجتمعات المتقدمة تلجأ إلى الأسلوب الأول في حلّ الصراع، وهو الوقاية أو منع حدوث الصراع، لا بل إنها طورت أساليب بقدر الإمكان. لكن بالرغم من انتشار الصراع وتزايد حدته في مجتمعاتنا، فإننا ما نزال غير قادرين على تطوير آليات مؤسسية ودائمة لمنع حدوث العنف، وتحويل الصراع إلى طاقة إيجابية في عملية التغير والتحولات الاجتماعية، بدلاً من أن يكون طاقة تدمير.
على الصعيد الوطني، هناك مظاهر كثيرة للصراع الاجتماعي، والتي تأخذ، منذ سنوات، منحى عنيفا؛ كالعنف المجتمعي والعنف في الجامعات والعنف الموجه للسلطات. والتوتر الذي ساد في مدينة معان مثال آخر. وبالرغم من البطء الرسمي في الاستجابة لهذه الأزمة، إلا أنه في النهاية أخذت الحكومة زمام المبادرة، وبدأت بمحاولة وضع حلول جذرية لها. ومن المبكر الحكم على مدى قدرة الحكومة على إيجاد حل جذري للمشكلة، ولكنها بداية مهمة يجب البناء عليها والاستفادة منها لتطوير آليات دائمة ومحددة للتعامل مع هذا النوع من التوترات أو المشكلات المحتملة.