نواب من عالم آخر
نواب من عالم آخر
انتهت جلسة التصويت على منح الثقة للحكومة، واستطاعت الفوز بثقة أغلبية هزيلة، ولا شك أنها كانت، أي الجلسة حملا ثقيلا على كاهل الجميع الحكومة والشعب... إلا النواب الكرام.
منذ أن فاز المجلس الكريم ربما بعضه بحق، وربما البعض بالتزوير، وربما البعض بالغصب عن الحكومة، والشعب بأغلبه مصدوم بنوعية بعض النواب. أثبت المجلس الكريم أنه أبعد ما يكون عن الناس، أثبت أنه غريب عنهم وأثبت أنه ليس منهم ولا يحقق أيا من آمالهم وتطلعاتهم.
وفي ذات الوقت أثبتت الحكومة والنظام بأكمله أنه الأقرب للناس والأقدر على فهم حاجاتهم وتطلعاتهم. تفوقت الحكومة على المجلس في كل المسائل. أثبتت أنها أكثر ديموقراطية وأن سقفها أعلى من غالبية أعضاء المجلس الموقر. لم يحدث أن زاود مجلس على حكومة كما تطوع بعض من هذا المجلس. تبارز بعض من نوابه بشتم الجمهور وطالب بعض منهم بإيقاع أقصى العقوبات بالمواطنين، بينما وقفت الحكومة بجانب الجماهير.
ولم تقف كلمات بعض النواب عند هذا الحد، بل زاودوا على الدستور الذي سمح بالإعتصامات ورفع سقف حرية التعبير، مجرد حق بالتعبير والإحتجاج. لا نستطيع حتى أن نتخيل نوع وشكل القانون الذي سيصوت عليه النواب الكرام. لا نتصور أي نوع من الهراوات سيحملونها للجماهير التي ستتجرأ بالإحتجاج. لا نستوعب شكل الحكومة التي سيشكلها المجلس الكريم فيما لو قوض له، وكيف سيتصرف مع الجماهير التي ستفكر بالمطالبة بأي مطلب. لا شك أنه مجلس بغالبيته ليس من الشعب. لا شك انهم آتون من كوكب آخر. لا شك بأنهم في شكلهم وجوهرهم غرباء عن الناس.
صوتوا للحكومة السابقة بمائة وأحد عشر صوتا، وصوتوا للحكومة الحالية بثلاثة وستين صوتا فقط، وشتان ما بين الحكومتين. حكومة سابقة كان غالبية أعضائها من رموز الفساد، وحكومة حالية غالبية أعضائها من رموز الشرف والنزاهة والوطنية. حتى لو كنا نتحفظ على رئيسهاإلا أننا نعتز بأعضائها، بينما الحكومة السابقة لا رئيس ولا أعضاء إلا ما رحم ربي.
هذه نتيجة المجالس النيابية التي تفتقر للمنهج والرؤية، غير المنتخبة على أسس سياسية أو حزبية أو أي لون واضح. مجالس منتخبة على أسس عائلية بحتة قوامها المناسف والحلويات واستغلال حاجة الفقراء وهم لا يلامون فالجوع كافر. إنما الأكثر كفرا هم من استغلوا هذه الحاجات الإنسانية.
إن عجز الحكومة أن تنال الثقة برقم كبير لا يعني إلا أنها أهل للثقة. يعني أنها عجزت عن شراء الذمم كما فعلت سابقتها. يعني أنها لا تهتم بالبهرجة الإعلامية والشكليات والظواهر من الأمور. يعني أنها حكومة يجب أن نقف جميعا في صفها وأن نعطيها الفرصة للتعامل مع مشاكل الوطن. وللذمة أقول أنها أثبتت في الأيام القليلة الماضية أنها فعلا تستحق أن تكون حكومة وطنية بحق. ربما يكون أضعف حلقاتها رئيسها الذي يحمل إرثا شخصيا غاية في السوء. أجرى أو أجريت في عهده أكثر الإنتخابات تزويرا في تاريخ الأردن. وحتى لو اعترف صراحة بأنه لم تكن له يد فيها، ففي النهاية هو من يتحمل مسؤوليتها، وإن كان من الضعف بحيث جرت من تحته المياه دون أن يحس بها فهذه تحسب عليه ولا تحسب له. لم يكن متصرفا ولا محافظا ولا جتى وزيرا. كان رئيسا للوزراء، ومع ذلك.... لا حول ولا قوة.
علينا أن نمنح الحكومة الحالية كل ثقتنا إلا أننا لن نغمض أعيننا. سنراقبها ليس بعين المستغل والإنتهازي كبعض من نوابنا. ننتظر منها ضبط حالات من الفساد الكثيرة. نتوقع أن تقوم بإسترجاع كثيرا من الأموال التي نهبت على مدى سنوات من حكومات فاسدة. ديون الأردن كله لا تزيد على إثني عشر مليارا ويمكن تحصيلها من واحد أو اثنين فقط من الفاسدين، فكيف إذا حصّلتها من عشرات. لا نريد تمثيليات هزلية كتمثيلية مصفاة البترول. نريد قضايا حقيقية ورجالا فاسدين حقيقة وراء القضبان. نريد أن نرى حجزا على أموال وعقارات بل ومصادرة لها. نريد أن تمتد أذرعها لإسترجاع أرصدة حتى خارج الأردن وليس فقط في البنوك والدوائر المحلية. لن نقبل بأي إدعاء أن القانون لا يسمح. لن يهمنا حتى لو خرقت كل القوانين طالما مصلحة الوطن هي الهدف. لا نأمل أن يلجأ الشعب لإسترجاع حقوقه بيديه، كما حدث في دول الجوار الأخرى. نريد أن يتم ذلك بيد الحكومة.
نريد أن تفرج عن الدقامسة ونريد أن تسمح بتشكيل نقابة للمعلمين. ومن أهم القضايا أن تصدر قانون انتخاب جديد وقانونا جديدا أيضا لمجلس النواب. نريد أن تتوقف الرواتب التقاعدية لأعضاء مجالس النواب والوزراء الذين أتوا بلا خلفية عمل عام يستحقون التقاعد عنه. أن يتم معاملة النواب والوزراء بناء على ما ينص عليه الضمان الإجتماعي. ونريد أن يطبق ذلك على كل الوزراء والنواب السابقين. مجلس النواب السابق عمل فقط لمدة سنتين وأعضاؤه يتقاضون وسيتقاضون الرواتب التقاعدية للقادم من عشرات السنين. وزراء عينوا فقط لأشهر معدودة بعضهم لأقل من ثلاثة أشهر ومع ذلك سيتقاضون رواتب لأجيال قادمة وهذا ظلم وانتهاك لحق الملايين. هذه سرقة ونهب علني للمال العام. يجب أن يتوقف كل ذلك فورا وبلا أي تردد.
كان المجلس النيابي معرضا للحل المباشر فيما لو صوت بحجب الثقة، لكنه استدرك نفسه في اللحظات الأخيرة. إلا أنه أثبت أن حله والإستغناء عنه واجب وطني وحاجة شعبية وجماهيرية بل وحكومية من وفي جميع الإتجاهات.