الشعارات بين سقوطها وتحولاتها!


من الشّعارات التي صفّق لها الشارع العربيّ في انتفاضاته المتعدّدة، واعتنقها من دون تردد كان شعار "عيش، حرية، كرامة إنسانيّة، عدالة اجتماعيّة". ولقد مُني هذا الشّعار في الشّقيقة مصر بسقوط مدوّ عندما لم ينجح في انتخابات الرئاسة المرشّح حمدين صبّاحي، الذي كانت هذه العبارة عنواناً له ولـ"ثورة 25 يناير". وإذا أنّ الصبّاحي لم يتزحزح يقينه عن مفردات هذا الشّعار، فإنّ الشّعب المصريّ قد فعل!
فالانتصار المدوّي لعبدالفتاح السيسي بعد ثلاث من السنين فقط من إطلاق الشّعار الذي أودى بحسني مبارك وبعض صحبه، يشير بقوّة إلى تغيّر دراميّ في مطالب الشّعب الذي تعبّر عنه شعاراته؛ إذ لم تعد الحرية والديمقراطيّة ولا الكرامة الإنسانيّة ولا العدالة الاجتماعيّة مطلباً أساسياً مقابل مطلبَيْ الأمن والقوت (حتى لو كان الكفاف)! وقد نجح الإخوان المسلمون في تدمير هذا الشّعار، ومن ثمّة المتمسّكين به؛ فالذي قهر حمدين صباحي في معركته لم يكن السيسي وبرنامجه الانتخابيّ (الذي لم يوجد أصلاً)، بل "الإخوان" الذين أطلقوا الدّمار والإرهاب، وأتوا على أخضر البلاد ويابسها، في محاولة يائسة وهستيريّة لاستعادة السلطة! فانعدم الأمن، وازداد الاقتصاد انهياراً! فظهر السيسي في لحظة تاريخية فارقة كمنقذ أعظم لإحلال الأمن ودفع عجلة الإنتاج من ثمّ...
وليس الأمر عكس ذلك في سورية التي ردّد منظّرو الثورات ويسارُ الإنتلجنسيا فيها مفردات الحريّة والكرامة، في نفي أيديولوجيّ لفكرة "ثورة الجياع"! وكأنّ الجوع (أقصد الجوع الجماعيّ) أخٌ شقيق للكرامة الإنسانيّة، أو كأنّه سُبَّةٌ إذا حرّك الشعوب! وقد دحض الواقع ذلك الاستعلاء الذي أظهره أصحاب الفكر في القطرين المصري والسوريّ تجاه "الجوع" كمسبّب جوهريّ للثورات. كما أثبت الواقع نفسه أنّ "الكرامة الإنسانيّة" في صورتها المجرّدة المطروحة ليست هي مطلب الملايين التي هاجرت من قراها ومدنها وقبعت في ذلّ السؤال والحاجة في أقطار المعمورة، ولا أقصد أيّ إدانة! صحيح أنّ هذه الملايين هاجرت تحت الضّغط، سواء من تهديد "الجوع" أو تهديد "الموت"، ولكنّها في النّهاية أثبتت للبشريّة أنّ الأمن والقوت أوّل ما يطلبهما إنسانٌ فقدهما، قبل كلّ شيء! وبذلك قالت الشعوب (أو بالأحرى واقعها) قولتها في معنى شعارات أطلقها المتعلمون والمثقفون، ونحن منهم!
هذا لا يعني أننا لا نقول بالكرامة الإنسانيّة ولا بالحريّة وبالعدالة الاجتماعيّة... أبداً... ولكنّا نحاول أن نأخذ درساً من الشعوب في ترتيب أولوياتها عندما يختلط الحابل بالنّابل (كالذي نحن فيه الآن)، ويوشك الجوع وانعدام الأمن أن يكونا السّمة القادمة الهاجمة علينا، بينما المسؤول فينا لا يتّعظ!
دعونا لا نفقد الأمل...!