سياسة هدم المعبد
يبدو أن المنهج السياسي المتبع لدى كثير من القادة والحكام العرب يتم اختصاره بالقول: «بقائي أو هدم المعبد فوق الجميع»، حيث تكررت هذه العبارة تصريحاً وتلميحاً على ألسنة بعض الزعماء الهالكين، وبعض الذين مازالوا يتشبثون بكرسي الحكم المنتصب على أكوام الجماجم والاشلاء، وسط الدمار والجثث المحترقة، والمدن والقرى التي أصبحت خراباً، أو بالتعبير بالفعل والواقع السياسي القائم على الأرض.
إن حلقة الدم والقتل والتدمير في بلاد العرب تأخذ مداها، ولم تصل الى منتهاها، ويلوح في الأفق معالم مشوار دموي رهيب سوف يستمر حتى تفيق الشعوب من سكرتها، وتفيق النخب السياسية من حمأة التعصب المقيت، والاستغراق في متاهة التشتت والانقسام، ويستفيق الزعماء من شهوة السلطة والتشبث بالحكم على حساب الجماهير ووحدتها وعلى حساب الدولة وقوتها وتماسكها.
إن الاصرار على استخدام لغة العنف والقوة، ولغة الاخضاع والقهر للجماهير يدل على عدم قدرة هؤلاء على تفهم مرحلة المخاض التي تمر بها المنطقة، التي تحتاج الى اسلوب ومنهجية جديدة مختلفة قادرة على كسر حلقة الدم والعنف والعنف المضاد، والتخلص من عقلية الثأر والانتقام التي سيطرت على مساحة كبيرة من العالم العربي والاسلامي لسنوات طويلة، لم تفلح في احداث استقرار أمني حقيقي فضلاً عن الفشل والعجز في تحقيق نهوض حضاري وازدهار اقتصادي وتماسك اجتماعي.
ليس من المعقول بعد مرور ما يزيد على ثمان سنوات على منهجية إدارة القطر العراقي على هذا النحو الذي أثمر هذه الحالة البائسة، أن يبقى الإصرار على تكرار المشهد بالمنهجية نفسها والعقلية نفسها والأشخاص أنفسهم من خلال الاستعانة بالحشد الطائفي، والاستعانة بالأجنبي، ومن خلال الاصرار المتعمد على استخدام القوة في كسر إرادة الشعب العراقي والاستمرار في فرض سياسة التحريض المذهبي واستعداء مكونات الأمة بعضها على بعض، وليس من المعقول كذلك بعد مرور أربع سنوات من استخدام القوة المفرطة في سوريا من أجل إعادة اخضاع الشعب السوري للسلطة نفسها والحزب الحاكم نفسه، بالمنهجية نفسها والعقلية نفسها والأشخاص أنفسهم من أجل الاستمرار بحلقة الدم والبارود المفرغة، والتجربة نفسها يعاد استنساخها في مصر، من اجل اشعال حرب داخلية طويلة ومستمرة، تؤدي الى تحطيم قوة الدولة، وانهاك الجيش والقوى الأمنية في حلقة الثأر والانتقام وسياسة الاعتقالات والاعدامات الجماعية، التي ستؤدي حتماً الى صناعة الدولة الفاشلة في هذه الأقطار العربية الكبرى، نتيجة الاصرار على سياسة: البقاء في الحكم او هدم المعبد.
العراق وسوريا ومصر، وليبيا واليمن، وبقية الاقطار العربية التي تعاني من الاقتتال الداخلي، تحتاج الى منهجية سياسية مختلفة، تستبعد سياسة هدم المعبد، وتتجه نحو البحث عن صيغة وطنية تشاركية تحمل مشروعاً وطنياً موحداً لكل مكونات الشعب بلا استثناء قادر على على كسر حلقة الدم والثأر والعنف المضاد، وكسر شهوة القتل، وشهوة السلطة من أجل وضع حد لمعركة الفناء المستمرة بلا أفق وبلا نهاية، فالمسألة لم تعد تحتمل مزيداً من التواطؤ المتعمد أو غير المتعمد من جميع الأطراف، ويفترض بأصحاب العقول ان يبذلوا جهدهم في البحث عن المخرج، بعيداً عن الاصطفاف الانفعالي الذي يمارسه الكتاب والمثقفون، كما يمارسه السياسيون والنخب المجتمعية والأحزاب والقوى السياسية.
لقد استطاع العرب في جاهليتهم وقف حرب البسوس ووقف داعس والغبراء، بفضل بعض المبادرات الصادرة من عقلاء العرب، حيث تكفل بعض أصحاب الأموال من التبرع بدية الموتى من الطرفين، واستعادة الحقوق والمظالم لكلا الطرفين، عبر صيغة من العدالة الانتقالية التي تتضمن قسطاً من العفو والمساحة المتبادلة، في الوقت الذي لم يستطع عربان القرن الواحد والعشرين أن يبتكروا صيغة مناسبة، لوقف العنف، ووقف سيل الدماء المتدفق منذ سنوات.