لا فن ولا ذوق ولا أخلاق!
مشكلة حوادث السير وكثرة وازدياد عدد ضحاياها لا تُحل بالعواطف والبكاء على من يفارقنا من أحبة تحت العجلات، أو من تترك العربات ندبة أو إعاقة في روحه قبل جسده، المشكلة تكمن في مسألتين اثنتين: فنية وأخلاقية!
أما الفنية فهي متعلقة بعدم صلاحية بعض المركبات لعدم صيانتها او لطول عمرها التشغيلي اي عدد المسافات التي قطعتها المركبة وليس العمر الزمني لها، وكذلك لعدم توفر قطع الغيار الأصلية او لعدم ملاءمتها وعدم وجود العمالة المؤهلة لفتح الكراجات التي تخضع للفحص والتجهيزات والمعدات اللازمة، وإضافة لهذا ثمة مشكلة حقيقية في هندسة المرور، ويكفي أن يمر أحدنا في الدخلة التي تسبق دوار الداخلية حين يكون قادما من شارع الاستقلال كي يعلم أنه دخل متاهة، ويا ويله إن كان دخل إلى تلك الأحجية من جهة وكالة الأنباء الأردنية وكان ينوي التوجه إلى الدوار القريب من وزارة الداخلية، أنا لا أبالغ، والله إن السير في تلك المنطقة يشبه الدخول في متاهة، ولا إدري ما الحكمة من تعقيدات كهذه، وقل عن أكثر من موقع ما قلناه هنا، حيث يحار المرء في العبقرية التي خططت لهذا الطريق، وإلى هذا، ثمة شبه غياب لتخطيط الشوارع وتحديد الحارات الخاصة بمسار كل سيارة، خاصة في منطقة الدواوير، حيث تشاهد السيارات وهي «تتناطح» كالكباش، وأيها سيقهر الطرف الآخر ويمر على جثته، وهذه ليست مبالغة فلطالما سمعت من السائقين من يقولها جهارا نهارا وهو يزاحم: لن تمر إلا على جثتي!
هذا غيض من فيض مما يمكن أن يقال في الجانب الفني، أما ما يخص الجانب الأخلاقي فحدث ولا حرج، فنحن أو كثير منا يقود سيارته وكأنه يقود جملا أو قطيعا من الغنم في البرية، حيث يتحرك وكأنه وحده في الشارع وليس ثمة غيره ممن يحملون أرواحا على أكفهم، وأذكر أن سائق تاكسي عاندني في المسير وجعل يدخل بين السيارات على نحو لافت، فقلت له بعد أن كاد يضرب سيارتي: أهي بلطجة؟؟ فقال لي ببساطة: نعم بلطجة، عندها لم أستطع أن أعقب على ما قال غير: شكرا، ومضيت، وبدوت وكأنني مستجد على الشارع، ولا أعرف «القيم» التي تحكمه!!
وإلى هذا وذاك، هناك أسباب نفسية تتسبب بتوتير السائرين بكثافة على الشوارع، حيث يقول أحد الخبراء في هذا المجال ان كثيرا من سائقي التاكسيات يتقاضون أجورا متدنية جدا وكذلك ساعات العمل الطويلة , وعدم وجود الفترة الكافية لاستراحاتهم اليومية او الأسبوعية , والحصول على الإجازات التي حددها قانون العمل، كما أنهم يواجهون هما من نوع آخر يؤثر على حالتهم النفسية، وهو الاستفزاز من بعض رجال السير والدوريات الخارجية والانتقائية في المخالفات وكيفية تحريرها , حيث ان الكثير منها يعتمد على مزاجية الشرطي.
وهناك أيضا-كما يقول أحد الخبراء في هذا المجال- ظاهرة توقيع الشيكات لصالح اصحاب المركبات العمومية من قبل السائق لتكون سلاحا ضده عندما يطالب بحقوقه العمالية او الرواتب عندما يتأخر صاحب العمل عن الدفع . وكثيرا ما يتأخر عن موعده لمدة تزيد عن نصف شهر او اكثر , كما تصبح هذه الشيكات سيفا مسلطا على رقاب السواقين الضامنين لهذه المركبات العمومية. لأنها تجبرههم على العمل المتواصل ليلا ونهارا ليسدد أقساط الضمان ومصاريف السيارة ومصاريف أسرته ورسوم المخالفات التي لا ترحم.
هذا جزء يسير من تشخيص المشكلة، والأكثر أهمية من كل ذلك أن علينا أن نتوقف عن التنظير في مجال تشخيص ما آل إليه حالنا في مسألة حوادث السير، لأن علينا أن نستمع مباشرة من أصحاب المشكلة المباشرين، أعني السائقين لأن لديهم وجهة نظر تستحق أن تُسمع إن أردنا الإحاطة بالمشكلة من جميع جوانبها!!
للعلم، هذه الأفكار نشرت منذ سنوات، ترى، هل تغير شيء؟