«أم رمزي» في رمضان
لا شك بأن لرمضان مساحة كبيرة في ذكريات الطفولة المليئة باللحظات الجميلة الرائعة. اتذكر والدتي التي كانت تتفنن باعداد مائدة الافطار على صوت والدي -رحمه الله- وهو يتلو آيات من القرآن الكريم، بينما كنا نحن نتحلق حول مائدة الافطار وعيوننا تتنقل بين ما لذ وطاب، بانتظار المدفع بفارغ الصبر.
ذكريات رائعة في منزل الأهل وبين سكان الحي الذي كان يخلو من كل شيء إلا أطباق الطعام التي كان يتبادلها الجيران قبل المدفع بدقائق، وكان دائما طبق الجارة «أم رمزي» يتوسط هذه الأطباق على سفرة الإفطار، مع شراب الورد الذي كانت تتقن صنعه ليطفئ نار العطش، وكانت تقول مازحة: لنا - نحن المسيحيين - نصيب في رمضان، فالصيام والثواب والفرحة لكم، والبهجة والمشاركة لنا.» في زمن عاش الجميع في ظل مقولة الجار قبل الدار.
وكان أبناؤها رمزي وهيلين ورجا وميرنا ولأسباب تضامنية وتجريبية يطالبون بالصيام اسوة بنا نحن أبناء الحي الواحد، حتى وان كانت الحرارة شديدة والنهار طويلا، كما كانوا يصطفون معنا على طابور القطايف ليعايشوا الأجواء الرمضانية. وأتذكر والدتي التي كانت تتفنن في اعداد الأطباق النباتية في محاولة متواضعة منها لتسهيل الجزء المادي من صوم «أم رمزي» وعائلتها، حتى اننا انخرطنا جميعا في ذلك التحدي الذي تفرضه الحاجة إلى التغيير والبحث عن البدائل بهدف جعل وجبات جارتنا العزيزة وعائلتها أكثر متعة ولذة.
كنا نعيش في اسرة واحدة يضمها الحي الواحد، نتشارك في اجواء رمضان وسهراته التي يغلب عليها طابع التعارف وصلة الرحم، ناهيك عن الترفيه والالعاب المبتكرة، فكان بحق شهرا للاستمتاع دون ان يكون ذلك على حساب العبادات او حتى المحافظة على اجوائه الروحانية وخصوصيته المليئة بالحب والرجاء والتضرع. وكنا ننتظر بكل شوق هذا الزائر مع عائلة ام رمزي التي كانت تستعد لاستقباله كذلك، في زمن لم يكن الشهر الكريم كما هو الحال لدى البعض مجرد شهر للمسلسلات والمهرجانات والتسوق، بل شهر الخير والبركات والقيم الإسلامية السامية.