هل باتت ايام عباس معدودة
اخيرا، وبعد انتظار طال اكثر من اللازم، وجد الرئيس الفلسطيني محمود عباس من يتصدى له في اجتماع اللجنة المركزية لحركة "فتح”، التي نجح في ترويضها وتحويلها الى قطيع من "الحملان” الوديعة، "تبصم” له على ما يريد من قرارات ومواقف وسياسات اظهرت الشعب الفلسطيني برمته كمجموعة من المتسولين الخاملين فاقدي الحس الوطني وهم ليسوا كذلك قطعا.
الرئيس عباس اهان الشعب الفلسطيني كله عندما ذهب الى منظمة التعاون الاسلامي واجتماعها السنوي على مستوى وزراء الخارجية لكي يدافع عن اسرائيل، ويدين خطف ثلاثة مستوطنين ويعتبره تدميرا للقضية الفلسطينية، ويتغنى بالتنسيق الامني بين اجهزة الامن الفلسطينية ونظيرتها الاسرائيلية ويضفي عليه طابع "القداسة”.
وعندما اختطف مستوطنون عنصريون ارهابيون الصبي الفلسطيني محمد ابو خضير وحرقوه حيا، التزم الرئيس عباس الصمت وادان متحدث رسمي باسمه عملية الخطف هذه وحمل اسرائيل المسؤولية وكأنه يمثل رئيس سيرلانكا او يتحدث باسم حكومة المكسيك.
***
اعضاء اللجنة المركزية الذين انتفضوا في وجه الرئيس عباس، واحتجوا على سياساته الرخوة المذلة والبعيدة كليا عن قيم الشعب الفلسطيني وتضحيات حركة "فتح” التي قدمت آلاف الشهداء يمثلون بموقفهم الشجاع هذا الغالبية الساحقة من الفلسطينيين.
نعم هذه السياسات المستسلمة المتخاذلة صورت كل الشعب الفلسطيني، وليس اعضاء قيادة حركة "فتح” وكأنهم "خونة” يطأطئون الرؤوس امام تغول الاحتلال ومستوطنيه، ويبتسمون في وجه جلاديهم دون اي ذرة من الكرامة والشهامة المعروفة عنهم.
الرئيس عباس لم يتصرف كزعيم وطني يقود شعبا تحت الاحتلال، واحتقر اي رأي مخالف لرأيه، ومطالب بالتحرك والارتقاء لمستوى عدالة القضية الفلسطينية ودماء الشهداء، واساء تقدير ردود الشارع الفلسطيني واعتقد انه بركوعه امام نتنياهو وليبرمان لن يجد احدا يقول له لقد طفح الكيل، ولم نعد نستطيع مواجهة الشعب الفلسطيني والعالم بمثل هذه المواقف المخجلة، فلعل ما حدث في اللجنة المركزية بداية حركة "تمرد” ضد السلطة ورئيسها وتثوير لحركة "فتح” واعادتها الى ينابيعها النضالية الاولى، زمن القيادات التي تتنافس فيما بينها من اجل الشهادة.
خروج اكثر من خمسين الف انسان في تشييع الشهيد محمد ابو خضير في قلب القدس المحتلة هو استفتاء مباشر على حقيقة مشاعر الشعب الفلسطيني تجاه الشهداء وقيم المقاومة، ورفض هذا الشعب لهذه السلطة الخانعة التي استمرأت الهوان والتذلل.
امر معيب ان يستدعي الرئيس عباس حرسه لاخراج اعضاء في اللجنة المركزية من الاجتماع بالقوة وتوجيه الشتائم والسباب لهم، فمن المفترض انه اجتماع للقيادة، ومن حق هؤلاء التعبير عن وجهات نظرهم حتى لو اختلفت مع رئيسهم، ومن المفترض ان يتقبل هذا الرئيس "الديمقراطي” الخلاف هذا بصدر رحب خاصة اذا جاء من رفاق درب، فالسلطة ليست مزرعة ابو عباس، مثلما قال الدكتور صائب عريقات في فورة غضب بثت على "اليوتيوب”، ومن المفترض ايضا انهم منتخبون من قواعد الحركة اللهم الا اذا كان الاجتماع لاعضاء مجلس ادارة شركة وليس حركة تحرير وطني.
السلطة الفلسطينية انهارت، والشعب الفلسطيني لم يعد يحترمها ويثق بها، ويعيرها اي اهتمام، والرئيس عباس لو كان يحترم نفسه وتاريخ شعبه وحركة "فتح” لذهب الى مكتب نتنياهو وقذف مفاتيح المقاطعة في وجهه، هذا اذا كان يملك هذه المفاتيح اصلا، ولا نعرف ماذا ينتظر، ومما يخاف وقد بلغ الثمانين ويعاني من موسوعة من امراض الشيخوخة.
من المؤسف ان جناحي المعادلة السياسية الفلسطينية اي حركتي "فتح” و”حماس″ يعيشان حالة من الضياع وانحراف البوصلة، فالاولى اصبحت اسيرة رئيس لا يريد ان يفعل شيئا لشعبه، ويطيل من امد بقائه في السلطة، باتباع سياسة (Zero Option) اي لا يفعل شيئا على الاطلاق ويبقي الاوضاع على حالها، والثانية باتت مشغولة بكيفية تسول الرواتب لموظفيها الذين يزيد عددهم عن اربعين الفا وكيفية ايصالها لهم، بعد ستة اشهر من عدم تقاضي فلسا واحدا.
كانت محنة الرواتب حتى الماضي القريب، مقتصرة فقط على سلطة عباس، واداة ضغط عليعا من امريكا وغيرها، وتوسعت الآن بحيث امتدت الى نظيرتها في قطاع غزة وتساوى الجميع في مهنة التسول التي باتت عنوانا للوحدة الوطنية والمصالحة الفلسطينية.
***
الارض الفلسطينية المحتلة باتت تعيش حاليا حالة من "الفراغ الوطني” والغليان الشعبي، واذا لم تندلع الانتفاضة الثالثة كرد الاعتبار، وقلب معادلات الهوان الحالية، وتطور قيادات جديدة، فان المرشح الوحيد والاقوى لملأ هذا الفراغ هو تنظيم الدولة الاسلامية "داعش” وزعيمه ابو بكر البغدادي.
لا يحتاج السيد البغدادي لارسال مندوبين عنه لفتح فرع لدولته في الضفة الغربية وقطاع غزة، فالانتصارات التي حققتها دولته في الموصل وتكريت والرقة والفلوجة والبوكمال، وازالتها للحدود مع ثلاث دول هي سورية والعراق، والاردن ولبنان في الطريق، باتت عنصر جذب وتجنيد قوي للشباب الفلسطيني اليائس والمحبط، واذا نبتت نواه هذه الدولة فان الاسرائيليين قد يترحمون على ايام "فتح” و”حماس″ وخنوع قيادة الاولى وصواريخ الثانية التي انتهت صلاحية مرحلتها "الازعاجية” فقط.
ايام الرئيس عباس وسلطته باتت معدودة واغتيال الشهيد محمد ابو خضير قد يكون المفجر، او الفجر، لمرحلة فلسطينية جدية مختلفة كليا عن كل المراحل السابقة، فالشعب الفلسطيني مثل الجمل العربي الاصيل، يصبر ويصبر، ولكن عندما يثور فانه يحطم كل شيء امامه، ويبدو ان ثورة هذا الجمل بدأت، او هكذا نأمل.