الصوت المعتدل في الأزمة

أطلق الناشط المثقف صالح أبو طويلة، مؤخراً، مبادرة إيجابية مع نخبة من النقابيين والمثقفين في مدينة معان، لاحتواء الأزمة وتداعياتها مع الحكومة والأجهزة الأمنية؛ تقوم على إنهاء مظاهر الاحتجاج العنيف من بعض أبناء المدينة، وعدم التدخل أو التوسط في موضوع المطلوبين أمنياً للدولة من جهة، مقابل إنهاء الأجهزة المعنية مظاهر الأمن وعدم الإفراط في استخدام القوة، من جهة أخرى!
يحضّر أبو طويلة مع شركائه في المبادرة، حالياً، لعقد مؤتمر محلي لأهل معان، تتم فيه مناقشة مشكلات المدينة، والأسباب التي أدت إلى الوضع الراهن، والبحث في كيفية الخروج من حالة الأزمة الدائمة بين أهالي معان وأجهزة الدولة المختلفة، ما خلق ظروفاً ومناخات غير صحيّة حتى في داخل المدينة، وعطّل حركة التجارة وأضرّ بمصالح الناس المختلفة، خلال الأشهر الماضية.
هذه المبادرة هي بمثابة خطوة مهمة للأمام، وتوفّر للدولة طرفاً محلياً يحمل خطاباً عقلانياً وواقعياً، يمكن بناء شراكة معه؛ لتوفير مسار آخر معاكس لمسار التأزيم في المدينة، وللقوى المحلية التي تستثمر في حالة الفوضى والأزمة الحالية، إذ من مصلحتها إبقاء حالة القلق والتوتر. ومن هذه القوى والتيارات مجموعة الخارجين عن القانون، ومن يقف وراءهم من شخصيات مستفيدة، ووجهاء ومتنفذين غاضبين على الدولة لأسباب شخصية، وأيضا التيار السلفي الجهادي (الموالي لتنظيم "داعش"، فيما هنالك مجموعة أخرى قريبة من خط أبي محمد المقدسي تقوم بدور التهدئة في الأزمة الراهنة).
خلال الفترة الماضية، طغى صوت مجموعات التأزيم في معان على الطرف العقلاني، بينما نعود اليوم لنسمع خطاباً جديداً يسعى إلى إيجاد حلول، والخروج من "عنق الزجاجة"، وإنهاء المماحكات والاشتباكات المتقطعة التي من الممكن أن تؤدي نتائجها إلى تداعيات أخرى خطرة، في ظل مناخ تجذّرت فيه حالة عدم الثقة والشعور بالتحدّي بين أبناء المدينة ومؤسسات الدولة المختلفة.
تتزامن هذه المبادرة الإيجابية والمهمة مع التحضير لدور نيابي في الوساطة لحل الأزمة وإيجاد مخارج لها ما بين الحكومة ومدينة معان، بالتوازي مع تفكير في دوائر القرار بإعادة النظر في المقاربة الرسمية وفتح قنوات من الحوار مع ممثّلين معتدلين عن المدينة، وصولاً إلى تفكيك الأزمة الحالية وإيجاد مخارج.
على النقيض من التصورات المسبقة المعلّبة عن الأزمة الراهنة، تجد أنّ نسبة جيدة من قادة الرأي في المدينة يمتلكون حسّاً عالياً بالمسؤولية، ويقرّون بأنّ هناك تجاوزات غير مقبولة ولا مسؤولة تحدث في كثير من الأحيان من قبل بعض أبناء المدينة، ويشعرون بالتذمّر والانزعاج والقلق الشديد من ظاهرة الخروج على القانون والتنمّر على الدولة ونمو التيارات المتطرفة أو ظاهرة المطلوبين، ولدى قادة الرأي هؤلاء الاستعداد للعمل يداً بيد مع المؤسسات الرسمية لإنهاء هذه الحالة غير الصحيّة، لكنّهم لا يجدون إدراكاً مماثلاً من قبل الدولة لأهمية هذه الشراكة وترسيم الأسلوب الأمثل لمواجهة هذه الحالة المتراكمة.
تكمن المفارقة في أنّنا في الوقت الذي نسمع فيه هذه الأصوات العقلانية المعتدلة في مدينة معان، والتي تقدّم توصيفاً دقيقاً أميناً للظواهر الخطرة وضرورة التخلص منها في المدينة، فإنّنا ما نزال نرى حالة إنكار من قبل الجهات الرسمية للأخطاء التي ترتكبها في مدينة معان، ولا نجد إجابات مقنعة على بعض الحوادث والتجاوزات التي وقعت من قبل هذه الجهات، مثل ظاهرة تسريب الصور والمقاطع المصورة للتعذيب، التي تحدثنا عنها في مقالات سابقة، المستفزة المزعجة؛ وكذلك الاستخدام المفرط للقوة في أحيان.
لكن الأهم من هذا وذاك، هو السؤال عن مدى كفاءة المسؤولين في المحافظة في إدارة الأزمة وحلّها بوصفات ذكية عميقة. وهو سؤال برسم الإجابة بما يتجاوز معان إلى أزمات عديدة أخرى.