الزلزال القادم

 

على الأغلب أن طيار حلف النيتو ، في مثل هذه الأيام وهو يرى كاميرات فضائيات العالم تنحرف عن مشهده وتتركه وحيداً في الفراغ الطالباني الأفغاني ، لترصد الانتفاضات الثورية المتسارعة في الوطن العربي ، يشعر الآن وكأن العالم تخلى عنه مرة واحدة.

 

وعلى الأغلب بأن جنود حلف الناتو الذين قدموا من خلف البحار الى هذه المنطقة المعبأة بحشيش الأفيون ، والكهوف الغائرة في رحم الارض ، والجبال الوعرة العصية على الصعود ، على الأغلب ان هؤلاء الجنود يحدقون في هذا الفراغ الساذج الذي تمنحهم اياه أرض أفغانستان ، وهم غير مصدقين فكرة الحرب ضد القاعدة والارهاب ، وأن مافعله بهم الرئيس الامريكي السابق بوش محض هراء.

 

وعلى الأغلب ان القيادات العسكرية في اسرائيل التي أدمنت اوامر القصف والتحليق فوق الاراضي الفلسطينية والعربية قد شعرت انها تعاني من ما يُمكن تسميته بالضجر الاحتلالي ، وأن الحقن الاعلامي الذي كانت تدك به الاعلام العالمي والعربي بهدف التمهيد لضربة قاصمة لايران ، قد تأجل نسبياً بسبب الخرائط الجماهيرية الجديدة التي تُحدثها الثورات المتسارعة ضد بعض الأنظمة العربية.

 

وعلى الأرجح فان المطبخ السياسي الامريكي الذي يحاول ان تبدو هذه الثورات العربية وكأنها برعاية منتج امريكي ، أنه يراقب كل صغيرة وكبيرة ، وعلى الأرجح ان هذا المطبخ قد بدأ يُعيد النظر في الكثير الكثير من مفاهيمه السياسية الراسخة عن هذه المنطقة.

 

وعلى الأغلب فأن التبعية الاوروبية لامريكا في توجهاتها لتسيد النظام الاوحد في العالم ، قد بدأت بتحسس رأسها ورأس مصالحها في المنطقة ، وبدأت بالانسحاب التدريجي خوفاً على مصالحها التي بددها التشدد الامريكي المغامر ضد افغانستان والعرق وربما ايران.

 

إن قيامة الجماهير العربية على هذا النحو المباغت ، هي قيامة استطاعت أن تشل الخطط المدمرة التي كانت تتراكم لتتحقق في المنطقة العربية ، مثلما استطاعت أيضاً أن تزلزل المفاهيم الاستعمارية التاريخية الراسخة ، وجعلت العالم يعيد حساباته تجاه أُمة ما زالت تقبض على موروثها الحضاري بالنواجذ ، وما زالت تستمد إرادتها الثورية من خميرة تكونها الأول ...

 

ان قيامة النهوض العربي للألفية الثالثة قد بدأت ، وأن من يريد أن يتأكد من ذلك عليه أن يحدق في هذا الارتباك المرتجف الذي أحدثته مثل هذه القيامة.

 

فقط راقبوا الارتباك العالمي في كل مطبخ سياسي ، واستعدوا لسماع ارتجاجات الزلزال القادم.