أعداء "داعش" وحلفاؤه
أياً كانت التسمية التي أطلقها على نفسه، سواء "دولة خلافة" أم غيرها، فإن ذلك لن يغير من هوية تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" كمنظمة إرهابية، تحمل في أحشائها بذور فنائها؛ فالنار تظل نارا، والماء هو الماء، و"داعش" هو هو.
وعليه، سوف تبقى المقاربة السائدة ذاتها، حيث تمكن "داعش"، بكفاءة إعلامية مدهشة، مقابل تبسيط غربي متعمد لمكونات المشهد العراقي المعقد، من احتلال بؤرة الصورة المشوشة، وزيادة جاذبيته كقوة ضاربة تحقق انتصارات سريعة مذهلة، الأمر الذي جعل ما يعرف باسم التمرد السنّي، مجرد حركة إرهابية، تهدد وحدة بلاد الرافدين، وترخي بظلالها السوداء على مضارع إقليم شرق
البحر الأبيض المتوسط أيضاً.
ومع أن قسطاً من هذه الانطباعات المبكرة قد تبدد مع مرور الوقت، والرواية الأولية عما حدث في شمال العراق وغربه مؤخراً، قد جرى تعديل سرديتها على ضوء الوقائع التي لا يمكن دحضها، إلا أن تنظيم "داعش" ظل رغم ذلك يتصدر عناوين الأخبار، سواء باعتباره رأس حربة التمرد السنّي وقائده على أقل تقدير، أو بوصفه أم الحقيقة الكلية العراقية الجديدة.
دعونا نصادق هكذا من دون نقاش على صحة المفاهيم الرائجة حول أسطورة "داعش" المضخمة، ونعتمد الرواية القائلة بأن هذا التنظيم الإرهابي قد شرع في إلغاء الحدود بين أكبر بلدين عربيين مشرقيين؛ كي نقارب مآلات هذا الحدث الزلزالي، ونستشرف سيرورته المحتملة، أولا على ضوء ما يتوفر من معطيات محققة، وثانيا على هدي ما يثيره هذا التنظيم من عداوات، وما قد يستقطبه من تحالفات موضوعية.
ليس من شك في أن تنظيم "داعش" ما يزال لغزاً من غير المتاح سبر غوره في المدى القريب، لاسيما لجهة حجمه العددي أو مصادره التسليحية والتمويلية؛ فكل ما نعرفه على نحو مؤكد أنه تنظيم متوحش، بنى لنفسه صورة مرعبة، راح يوظفها بنجاعة إزاء خصومه ويراكم عليها ضد أعدائه، الأمر الذي يمكن الاستنتاج معه أن أعدى أعداء هذا التنظيم الذي لا يقيم وزناً لبيئته الاجتماعية الحاضنة، ولا يعرف التحالف على أساس القاسم المشترك العقائدي الأدنى مع نظرائه، هو "داعش" نفسه.
لذلك، لن نشغل أنفسنا أكثر في البحث عن أعداء تنظيم "الدولة الإسلامية"، طالما أنه هو عدو ذاته. أما إذا تسقطنا حلفاءه الموضوعيين، فإننا سنعثر على قائمة طويلة منهم، في مقدمتهم النظام القائم في بغداد، خصوصاً بعد أن استل نوري المالكي أبشع ما تبقى في جعبته من سلاح كريه، وراح يقيم ميليشيا رديفة على أساس مذهبي، عقب انهيار جيشه انهياراً مذلاً.
أما المعين الذي لا ينضب من الحلفاء الموضوعيين لـ"داعش" الذين من المقدر حضورهم على عجل، فإن أولهم ماثل في التدخل العسكري المحتمل لإيران تحت ذريعة حماية العتبات والمقامات. فإذا ما تحققت هذه الفرضية المرجحة في أي وقت، فإن من شأن ذلك أن يمنح "داعش" الذخيرة المطلوبة لمدفعيته المذهبية، وأن يستمد مما يمكن وصفه، من دون مراء، باحتلال فارسي، كل ما كان يشتهيه هؤلاء من وقود لإذكاء نار حرب مديدة، ذات مشروعية جاذبة لمقاومة عدوان خارجي سافر.
وقد يكون أكثر ما يرجوه "داعش" من حلفاء محتملين، هو الحليف الأميركي الذي قد يعيد ارتكاب خطيئة تاريخية، إذا ما وضع سلاحه الجوي في خدمة نوري المالكي وقائد فيلق القدس قاسم سليماني؛ إذ من المرجح لهذا الانحياز الأميركي المريب لأعداء "داعش" أن يعيد تأهيل هذا التنظيم البالغ في إجرامه، وتعميده كناطق شرعي باسم ملايين السنّة في العراق والعالم العربي، ومن ثم منحه لقب الضحية، وإعطاؤه صفة المظلومية، وإكسابه لقب المقاومة الشرعية.
وفي القائمة النوعية من حلفاء "داعش" المرتقبين حلفاء صغار غير مهمين، مثل نظام بشار الأسد وحزب الله اللبناني، الذي تعهد بإرسال قواته إلى النجف وكربلاء دفاعاً عن المراقد الشيعية، أسوة بمرقد السيدة زينب. إلا أن أهم حلفاء "داعش" المرغوب فيهم، وأشدهم أهمية له من دون ريب، هو باراك أوباما، إذا ما تورط في الحرب لصالح طائفة عراقية بعينها، ووقع في مصيدة "داعش" دفعة واحدة.