انشغال مراسل الجزيرة بتونس يمنع اندلاع الثورة في الأردن والشعب اليمني يهتف (بعد القذافي .. يا علي)!

 

اخبار البلد - سن واحدة فقط هي الناب على الأرجح ظهرت في منتصف كاميرا بي.بي.سي تعلو سفح فم العجوز اليمني المتهالك، وهو يهدد رافعا عصاه ونابه أيضا: سنخرج للشارع لإسقاط النظام حتى آخر قطرة دم فينا.

.. عن أي قطرة يتحدث هذا العجوز اليمني الذي لفحته السنين؟.. وهل ثمة قطرات دم بقيت في بقايا جسده، لكي يهدرها هذا الرجل على شوارع صنعاء طلبا للحرية والكرامة والتغيير ونكاية بالشرعية إياها؟

السؤال الذي ينبغي لنظامنا العربي ان يجيب عليه وبسرعة هو التالي: إذا كان الشباب متحمسا او غرر به او مدفوعا من تنظيم القاعدة وقوى الخارج والمشروع الصهيوني، فما بال العجوز ذي الناب الواحدة الذي يهدد ويتوعد الرئيس علي عبدلله صالح ويطالب بإسقاط النظام؟

وما الذي يدفع أصلا عجوزا بالتسعين لمغادرة فراشه إلى الشارع والاحتجاج؟.. بكل صراحة أدهشني العجوز اليمني واكتملت الصورة بتصريح أدلى به شاب صغير من أحفاد أحفاد صاحبنا العجوز، حيث قال أمام الكاميرا: سيدي الرئيس علي عبدلله صالح .. أن يقال الرئيس السابق أفضل من أن يقال الرئيس المخلوع.

.. بالنسبة لي يعني خروج الطفل والعجوز في نفس الساحة والتوقيت وقولهما هذا الكلام، أنهما فورا على حق، فأقل تهمة يمكنني ان أوجهها للنظام اليمني، وفي أسوأ الأحوال هي التالية : تزويد خصوم النظام في الخارج (بذخائر) خاصة جدا ويوميا نتج عنها ذرائع لتحرك الشارع ضد الشرعية المفترضة .

وإذا كان الرئيس صالح يتهم إسرائيل وأمريكا بالتخطيط لهذه الانتفاضات الشعبية، فنحن نتهمه مع الزعماء العرب بتوفير أرضية مناسبة في بلادنا لتمرير وتمكين المشروع الصهيوني إياه، عبر سلسلة لامتناهية من الذرائع التي تجبر الناس جوعا وظلما على الخروج للشارع.

أيهما أقرب إذا للمشروع الصهيوني المسحوق العربي الذي يذخره نظامه السياسي يوميا بمبررات الانتفاض، أم المؤسسة التي (تمكن) الصهيوني والأمريكي على فرض ان المسألة لها علاقة فعلا بالأخوة الأعداء؟

هذه الذخائر هي فساد وغياب للعدالة وسبات عميق للحرية وتوزيع غير عادل لمكتسبات الوطن وقبضة أمنية غبية دمرت نظام الحكم وحكومته في وجدان الناس.. بهذه الطريقة خدم النظام العربي خصومه المفترضين - إن وجدوا - وسمح بثغرات في الداخل تسلل منها المحرومون والمظلومون وضحايا النخبة الفاسدة من الكهنة المتخصصين بإبعاد المسافة بين الحاكم وشعبه.

مثل هذا حصل ويحصل يوميا في بلادي التي لم يعد هتاف شارعها متصل بإسقاط حكومة ورئيس وزراء كما بدأ، بل بدعوات صريحة وواضحة تطالب بإصلاح النظام، وفي حال تجاهل الأمر أتفق مع الزميل المبدع محمد أبو رمان ان الهتاف سيتطور ويستعير عبارة الشارع العربي الموسمية ويصل بالأردنيين من شتى الأصول والمنابت إلى نقطة لا أحد يريدها، او له مصلحة في الوصول إليها.

 

المؤامرة دوما صهيونية

 

وفي الأردن تحذر نخبة تعيسة من السياسيين وأركان الحكم الصالحين للمتحف فقط، مؤسسة القصر مدعية بأن الإصلاح سينتهي بأحد سيناريوهين: سقوط الدولة والحكم بحضن الأخوان المسلمين أو الوطن البديل.

الواقع ينسف هذه النظرية البائسة وأستطيع انا المواطن الغلبان أن أصرخ بعالي الصوت الآن لأقول: ما يهدد الدولة والحكم اليوم هو حصريا غياب الإصلاح او التذاكي فيه وما يؤسس للوطن البديل او يرمي الدولة بعد 90 عاما في أحضان مشايخ الأخوان، هو فساد وفسق وعهر نخبة السياسة والإدارة والدولة، الذين احترفوا تخويف الجميع من الإصلاح والتغيير لأنه ببساطة شديدة لا مكان لهم في تجربة ديمقراطية حقا.

ولا مكان لهم في برلمان منتخب بنزاهة .. لذلك ولذلك فقط يتشاطر ساسة عمان في تبرير وتسويق تزوير الانتخابات ويعملون على تزويق ومكيجة خيارات التلاعب بأصوات الشعب، مع أن من لا يجد صوته في صندوق الانتخابات سيصرخ في الشارع، ومع أن الفضائية الأردنية لم تخجل يوما وهي تؤكد بعد كل انتخابات أنها نزيهة.

لذلك الموقف وعلى الطريقة اليمنية واضح تماما، فالفساد والتعدي على القانون وغياب العدالة والضغط على القضاء وتولية شؤون العباد لأضعف الناس وأقلهم شرعية، هو الوصفة السحرية لبحث الشارع عن ملاذ سيوفره الأخوان المسلمون بكل تأكيد، ليس فقط لإن مصداقيتهم في الشارع لم تتآكل خلافا لمصداقية الحكومة.

ولكن أيضا لأن المواطن الغلبان سيصلهم مجانا بفعل ممارسات المشعوذين والشبيحة، الذين عطلوا ماكينة الإبداع عند الشعوب في الأردن وغيره، وتسيدوا المشهد بدون مبرر او كفاءة، وفي معادلة تحدث عنها المصريون فمن المعقول ان يكتفي الناس بالازدهار الاقتصادي والإدارة الرشيدة، لكن أن تسقط كل أدوات الرشد وتغيب الحرية والكرامة والديمقراطية فذلك أمر فوق طاقة البشر.

وعليه فمن يخيفون النظام يوميا من الإصلاح ومن كلفته هم أنفسهم الذين يوفرون الدولة مقشرة للمعارضة ولقوى الخارج التي تتربص دوما بالبلاد والعباد وفقا للعبارة المملة التي يكررها على كل فضائيات معسكر الاعتدال وزير سابق للإعلام.

نعود للمشهد الفضائي اليمني فقد ظهرت على كاميرا العربية فتاة صبية ويافعة لتقول: طالبنا بالإصلاح فتجاهلنا النظام ونحن الآن لن نقبل أقل من سقوط النظام.

وهذه متوالية هندسية في ما يبدو، دخل فيها مزاج الشارع العربي فقد كان مشهد شاب يمني آخر يقود هتافا في مسيرة عدن الضخمة مغرقا في الطرافة، وهو يمسك بمكبر الصوت الضخم ويقول كلمتين فقط (بعد القذافي) .. بسرعة ترد عليه آلاف الحناجر وبنفس التوقيت فتجيب (يا علي).

أليست تلك عبقرية بالهتاف تدلل على ان مزاج الشارع العربي دخل في حالة نضج مدهشة مجنونة لا تقل هوسا عن تلك الأنظمة المخجلة التي حكمتنا طوال عقود.

 

كريشان ومسؤول ليبي

 

بعد حوار عنيف إلى حد ما بين محمد كريشان ورجل ليبي بلسان فصيح سألت المذيعة المتحدث الليبي الرسمي بعدما كال الاتهامات للجزيرة: لماذا تتحدث إلينا إذا؟

قال الرجل: أتحدث لكم غيظا وحسرة على هذا الأداء الإعلامي البائس.. جواب حازم وكان يمكن أن يكون مفحما لو أن الرجل تكبد قبل الحديث عن الإعلام البائس وشاهد معنا نشرة الأخبار في فضائية الجماهيرية مباشرة بعد حديث الأخ القائد الأخير مع تلفزيون صربي.

المذيع الشاب وصاحب الفم العريض صفف شعراته جيدا وبدا كأنه خارج للتو من عملية مساج وكي، وارتدى بزة بيضاء وجلس على كرسي أبيض وسط استديو أبيض تماما في كل شيء.

لم يبدأ المذيع بعبارة (السلام عليكم) ولا بمساء الخير او مساء القرد أو تحية من أي نوع، ولم يبلغنا كالعادة بأن ما سيقرأه للتو هو نشرة الأخبار، مع أن الإشارة قالت ذلك قبل الإطلالة البهية للمذيع الأبيض.

مباشرة وبلا إحم أو دستور بدأ الشاب بقراءة الخبر الأول (تلقى الأخ قائد الثورة برقية من الأمير فيصل تركي آل السعود الكبير..).. بسرعة قرأ الشاب البرقية المليئة بالتضامن مع الأخ القائد طبعا، ثم ظهرت الوثيقة على الشاشة مختومة بختم ملكي أخضر اللون وموقعه باسم (كبير آل سعود فلان الفلاني).

كل البياض في المكان ليس مهما لكن سؤالي بسيط : من هو هذا الرجل الذي سمى نفسه كبير آل سعود؟.. أنا شخصيا وليعذر القراء جهلي أسمع به لأول مرة.

لكن بعد الانتهاء من العرض الآخاذ للخبر الأول في نشرة الجماهيرية، انتقلنا للخبر الثاني وهو عبارة عن نص يتضمن سبع كلمات عن مسيرات تجوب الجماهيرية العظمى لتأييد الأخ القذافي، ثم مقاطع فيديو مصورة وطويلة وخالية من الشروحات لهذه المسيرات في أربعة مواقع محيطة بطرابلس العاصمة.

في المسيرات الثلاث تلاعب صبية من الواضح انهم أخرجوا للتو من مدارسهم أمام كاميرا الجماهيرية مع نساء قليلات العدد يرددن هتافا غامضا مع زغاريد على طريقة الأعراس الشعبية، وبيد الصبية صورة قديمة جدا للقذافي وهو شاب لا أدري إن كان اختيارها مقصودا أم ان الصور الحديثة غير متاحة لمنظمي المسيرة.

أما المسيرة الرابعة فكانت ضد الاختلاط ولا تحترم معايير الجندر ومؤلفة من عشرات الشبان الذين يرقصون في الشوارع مرددين هتافا سمعناه كثيرا مؤخرا .. (ألله .. معمر.. ليبيا وبس).

يمكن هنا وببساطة ملاحظة أن الأخ القائد يجلس في التراتب بعد الله مباشرة وقبل الوطن الليبي وهو موضوع يخص بالضرورة الأخوة المتظاهرين، لكن الجديد عند رصد تفاعل الفضائيات مع الحدث هو ان الهتاف نفسه ظهر على شاشة 'العربية' ومن باب التوازن في التغطية عبر تقرير صغير جدا تحدث عن تجمعات مناصرة للقذافي.

وهو تقرير على الأغلب يخدم وظيفة محددة تضمن استمرار الصفقة التي حصلت بوضوح بين 'العربية' وسيف الإسلام فالمحطة الأخيرة كانت متهمة دوما، لكن سمح لها بالتغطية فأصبحت مع بي.بي .سي العربي تمثلان الوجود التلفزيوني العربي الوحيد تقريبا في الداخل، الأمر الذي يتطلب إظهار صبية ونساء في مظاهرات تأييد القذافي حتى وإن كان العدد قليلا.

سؤالي الآن لصاحبنا الذي اشتبك مايكروفونيا مع كريشان: ألا يتحسر على بؤس فضائيته ولو من باب العدالة والموضوعية؟.

 

لماذا لم تصل الموجة للأردن؟

 

بقيت لدي نكتة سياسية سمعتها من أحد المخضرمين في عمان ولا أستطيع الاحتفاظ بها لنفسي.

.. سأل أحد السياسيين رفيقا له باللهجة العامية: فكرك إمتى دورنا في الثورة؟ .. أجاب الثاني بطرافة : مش عارف بالزبط بس حاسس إنو مش هالأيام لإن مراسل الجزيرة في عمان ياسر أبو هلالة مش فاضي ومسافر على تونس وبيعمل تقارير من هناك للمحطة.

ثم شرح صاحبنا: شكلوا ثورة تونس بدها شوية تزبيط بعد حصول انفلاتات والمسألة تحتاج لأبو هلالة كبير مراسلي عمان الغائب عن عمان من أسبوعين.. عشان هيك توقعاتي: صعب توصل الموجة لعمان وياسر مش هون.