أرض السواد لا تقسّم ..

 

ما الذي يحدث في العراق اليوم؟ ... سؤال نسمعه يوميا يتردد على السنة الكثيرين في الشارع العربي . فالمتابعون والكتاب والمنظرون والسياسيون العرب حائرون رغم هذا الكم من الكلام والتنظير والتحليل الذي تهدره الفضائيات العربية ، ومعها كل اشكال وانواع وسائل الاعلام العربية والعالمية . والمحير أكثر، ان طائرات من جنسيات مختلفة سورية وايرانية واميركية ، فقط حتى الان ، تجوب سماء العراق بحثا عن قواعد تنظيم داعش .
ما حدث في العراق خلط الاوراق ، وقلب الطاولة ، ووضع المنطقة كلها في حالة استنفار وترقب وغموض . فهل داعش فعلا بهذا الحجم وهذه القوى حسب ما نقرأ ونسمع ؟ ومن اين جاءت داعش واخواتها ، واعني الفصائل الدينية المسلحة والمتشددة ؟
ما نعلمه حتى ساعة احتلال العراق في العام 2003 ان بلاد الرافدين كانت منطقة خالية من عناصر القاعدة ، وقد فشلت الادارة الاميركية وقتذاك في الربط بين النظام وبين القاعدة ، لعدم وجود اي تنسيق او تعاون بين الطرفين . ولكن بعد الاحتلال ، وحل الجيش ، وتقويض مؤسسات الدولة وهيكلها السياسي والاقتصادي ، والسماح بالفوضى التي لم ولن تكون خلاقة ، تسلل الى العراق مجاهدون ومسلحون من كل الجهات والتنظيمات ، بل حدث اكثر من ذلك ، فقد شكلت قيادة الجيش السابق ، وعدد كبير من الضباط ومنتسبي القوات المسلحة العقائدية ، واعضاء من حزب البعث ، وبعض المتطوعين العرب ، فصائل مقاومة الاحتلال ، دون تمييز طائفي او عرقي .
ولكن بعد جلاء وانسحاب القوات الاميركية من بلاد الرافدين ، اخذ الصراع الداخلي يتبلور في اتجاه آخر، ويتحول الى صراع عراقي داخلي متطرف ومتشدد مذهبيا ، واتهم بعض السياسيين العراقيين الجارة ايران بالتوغل في العراق والتدخل بشؤونه الداخلية ودعم فريق على حساب الاخر ، وجل هؤلاء السياسيين العراقيين العرب ، هم من ابناء النظام الجديد ، ومن الطائفة الشيعية ايضا .
وفي هذا الوقت ، ظهرت اصوات اخرى في المحافظات التي عانت من الظلم والتمييز ، تطالب باطلاق سراح المعتقلين من ابناء عشائر هذه المحافظات ، وتطالب بالعدالة والتنمية ورفع الحيف والظلم . كل هذه التطورات التي بدأت فصولها تتشكل منذ الاحتلال ، تمت في ظل صمت عربي ودولي ، وهو الصمت المريب الذي رافق احتلال العراق وهدمه وتخريب مجتمعه ، وانهاء دوره كعمق استرتيجي عربي .
هذا الواقع خلق المناخ الملائم لظهور الفصائل الدينية المتطرفة ، بل قاد عددا كبيرا من ضباط الجيش السابق لتشكيل ، او الانخراط في مثل هذه التنظيمات ، التي حملت سمات وجينات تنظيم القاعدة . وقد لاحظنا بعض اسماء ضباط الجيش السابق تتردد في وسائل الاعلام وفي مقدمتهم ابراهيم عواد السامرائي ( ابو بكر البغدادي) ورئيس المجلس العسكري لتنظيم داعش حجي بكر ، ورئيس الاستخبارات في التنظيم ابو علي الانباري .
ويبدو الان ان تنظيم داعش هو الواجهة فقط ، لأن ليس هناك من يعتقد بأن قوة هذا التنظيم قادرة على الصعيدين العسكري والاداري السيطرة والهيمنة على محافظتي نينوى وصلاح الدين ، اضافة الى التواجد في ديالى والانبار ، ومنطقة الحدود مع سوريا ، بهذه الكثافة والقوة . فهناك من يعتقد ان قوات كبيرة تشكلت من ضباط الجيش السابق وحزب البعث ، وابناء العشائر ، والفرق الصوفية ( النقشبندية ) قد انضمت الى الفصائل المحاربة .
امام هذه التطورات والمستجدات ، فشلت الحكومة الحالية المتهمة بالاستبداد، في حل الازمة الخطيرة بالحوار أوالوسائل السياسية السلمية منذ بداية انطلاق التظاهرات المطلبية لابناء المحافظات ، لأن الرئيس المالكي لجأ الى الخيار الامني والعسكري في معالجة الازمة التي لم يكن يدرك حجمها وارتداداتها . ولكن رغم كل ما حدث ويحدث ، من الواجب العمل على افشال المشروع الاميركي القديم الجديد الهادف الى تقسيم العراق ، لأن بلاد الرافدين العربية يجب ان تبقى عصية على التقسيم ، لأن الصحابة منذ عهد عمر بن الخطاب قرروا ان ارض السواد يجب ان لا تقسم .