ليس دفاعا عن الجزيرة ولكن...
يشهد الشارع الأردني هذه الأيام تباينا في الآراء حول قناة الجزيرة ، فرأي يذهب إلى تبعية هذه القناة إلى مشروع ومخطط تآمري على الأمة بكل مكوناتها،ورأي آخر يرى أن هذه القناة تعمل بمهنية عالية تجعل من الآخرين الذين تستفزهم في وضع المتهم الشاتم لها في ردٍ غير متكافئ مع قدرتها الهائلة على صناعة حالة من الاستقطاب الجماهيري، بينما يرى أصحاب الرأي الثالث أن قناة الجزيرة استطاعت أن تستثمر الفراغ الإعلامي العربي وارتهانه إلى القيود والضوابط الرسمية لتصنع حالة جديدة قوامها البحث فيما وراء الأبواب في سابقة لم يعهدها الإنسان العربي من قبل، ويذهب أصحاب هذا الرأي كذلك إلى أن الجزيرة بالرغم من قدرتها ومهنيتها العالية ليست بريئة تماما من ارتباطات وعلاقات تجعلها دائما في موطن الشبهة.
والناظر هذه الأيام للمحيط العربي وما يعصف به من ثورات ومظاهرات واحتجاجات ، سيعلم كم هي الحاجة لإعلام لا يستغبي مشاهده ، أو يجعله يفقد عقله حين يتجاهل ما يجري وكأن الحدث على واحد من الكواكب السيارة وليس على كرتنا الأرضية ، وستكون حاجتنا اكبر وأمسّ لفضائيات تعيد لنا الثقة بقدرتنا على الولوج إلى هذا العالم المجنون دون أن نفقد توازننا ، ويتوجب عليها أن تدخل في مراجعات قاسية لتخلص من طرحها الذي نراه غاية في السذاجة وتلك الحوارات البائسة التي لا ترتقي إلى مناكفات صبية مشاغبون على قارعة الطريق ،وحتما ستكون خيبتنا عظيمة والجلطة أقرب ما تكون حين ينفجر العالم وتقوم قيامته ويفاجئوك أحدهم ببرنامج محنط يجعلك تخرج من ثيابك وتتقيأ نفسك.
ولأن الجزيرة لها من الحضور والمشاهدة ما لا نستطيع أن نخفيه حتى من أولئك الذين يصدّعون رؤوسنا بصراخهم عن ارتباطاتها المشبوهة ومؤامراتها دعونا نسأل بصراحة: ما الذي قدمه أو يقدمه إعلامنا الرسمي ليجعلنا مقتنعين أن هذه القناة لا تستحق المتابعة والمشاهدة ؟أليس إعلامنا الذي كان منذ عقود ما زال يجتر نفسه بذات البرامج والنبرة والأسلوب ؟وحتى يخرج الإعلام الرسمي من سباته فإن رياح التأثير من الجزيرة أو غيرها ستبقى تغري عيوننا في البحث عن تردد من هنا والتقاط إشارة من هناك، لأننا في النهاية ضالتنا البحث عن المعلومة ننشدها في فنائنا فإن تعذر ذلك علينا فتحنا النوافذ والأبواب لتتسرب إلينا خيوط النور ورائحة الحقيقة.