صخب النواب وغضبهم ليس ذودا عن كرامة الشعب
د. أنيس خصاونة
ملفت للنظر ما يحدث في مجلس النواب من تهويش «وتقطيع للحجازة» وصب جام غضب نواب الشعب الذين انتفضوا لحادثة رئيس المجلس السيد عاطف الطراونة، الذي تم تخصيص مقعد له في مهرجان جرش في الصف الثاني وليس الصف الأول. مؤسف أن تنحدر الأمور لهذا الدرك المتدني من السفاسف التي لا تقدم ولا تؤخر في دور مجلس النواب والمهام الجسام الملقاة على عاتقه في خدمة الشعب، وسن القوانين وصون كرامة وقيمة المواطن الأردني الذي يمثله هؤلاء النواب. صحيح أن هناك خطأ ربما بروتوكولي أو إداري لم يراع الوزن السياسي والقيمة الشخصية للسيد عاطف الطراونة، بما يمثله من رئاسة للمجلس التشريعي، ولكن ذلك لم يكن جريمة نكراء وإهانة مدبرة للشعب، فكثيرا ما تحصل مثل هذه الأخطاء وسوء في الترتيبات الإدارية، ولا أخال أن أحدا من القائمين على المهرجان قد دبر هذا السيناريو لإهانة مجلس النواب ممثلا برئيسه؛ إذ لا مصلحة لأحد في ذلك.
كان من الممكن أن يتم مساءلة القائمين على اللجنة التنظيمية المناط بها تخصيص المقاعد وأماكن جلوس أصحاب العظمة المبجلين المشاركين في الحفل الافتتاحي، وتوجيه اللوم لمرتكب الخطأ دون هذه المسرحية الكوميدية المثيرة للسخرية.
عجيب هذا الصخب والسخط الذي لم أر سخطا مماثلا له من قبل النواب في الماضي. كنت أتمنى أن يكون هذا السخط من أجل كرامة الشعب «المشحطط» والمراجعين الذين ينتظرون ساعات وساعات لقبض بدل الدعم وبطريقة مهينة للكرامة الإنسانية...كنت آمل أن يستثار السيد عاطف الطراونة وزملاؤه النواب على استشهاد الشرطي السياحي ابراهيم الجراح على يد السائحين الاسرائيليين وبظروف غامضة لم يتم حتى التحقيق مع السائحين، لا بل فقد تم اصطحابهم للحدود والتأكد من مغادرتهم البلاد دون استجواب، مع أنه كان هناك أمر قضائي بتوقيفهم.... كنت أتمنى لو أن السيد عاطف الطراونة ذهب للأغوار والتقى المزارعين وتعامل مع قضاياهم بدلا من أن يشغله الجلوس في الصف الأول أو الثاني...
كنت أتمنى أن يستشيط النواب ورئيسهم غضبا على كرامة الأردنيين الممرغة عندما يرون سارق الفوسفات المطلوب للقضاء الأردني والصادر بحقه أوامر قضائية يراه يسرح ويمرح في عمان، ويحضر الأعراس والمناسبات وهو الذي سرق أكثر من نصف مليار دينار أردني من قوت الأردنيين...غريب أمر هذه الانتفاضة النيابية وهذا التوعد والشتم من قبل النواب! كل ذلك بسبب أن السيد عاطف الطراونة جلس في الصف الثاني، في حين أن الصف الأول خصص للوزراء، يا هملالي على هذا الحدث الجلل! وكأننا قد خسرنا جزءا من الوطن بسبب هذه الحادثة. لو كنت مكان السيد الطراونة لانسحبت من المهرجان وأوصلت معاتبتي لرئيس الحكومة دون هذا اللغط والصخب الذي أضاع وقت المجلس على قضية ليست بهذه الاهمية.
صخب النواب وسخطهم لم يكن ذودا عن كرامة الشعب ودفاعا عن كرامة المواطنين الذين أوصلوهم لمجلس النواب؛ وإنما هو سخط ناجم عن عنجهية شخصية «ومنجقة» ودفاعا عن القيمة الاجتماعية لشخوص النواب الشاخصة أبصارهم الى المجد والألقاب والعنتريات. الأردنيون يواجهون كل يوم مواقف انتظار لساعات طويلة غير مبررة في المستشفيات والدوائر الحكومية، ويستدعون لدوائر المخابرات ويستجوبون ويقبض على بعضهم بحجج واهية، مثل قدح المقامات العليا وإطالة اللسان، ويعرضون على محاكم عسكرية دون إتاحة فرص المحاكمة العادلة، أليس في ذلك كله مسوغات لانتفاضة النواب دفاعا عن الشعب الأردني؟؟؟على النواب المنتفضين أن يفيقوا من سباتهم ويعودوا عن غيهم؛ فلم يعد أحد يصدق أن غضب النواب هو دفاع عن كرامة الشعب.