باحثان اردنيان يعدان دراسات مطولة حول علم الفراسة وتأُيره على الانسان.
نمارس قراءة الوجه بشكل او بأخر، فمن النظرة الأولى نبدأ بتكوين فكرة عن شخصية الفرد، فيوصف بالطيبة، او العنف، صعب المراس احيانا، دون علم او دراسة معتمدين على الحدس او التجربة، وكثيرا ما تكون هذه الانطباعات الأولية مثارا لسوء التفاهم، والاستهجان والسخرية في وقت لاحق.
إذن ألا يستحق الامر معرفة هذا العلم علم قراءة الوجوه وقواعده، اليس من الضروري أن نستطيع التعرف إلى شخصية من نتعامل معهم من النظر اليهم.
ولتحقيق ذلك كان لا بد لنا من اللقاء بالمختصين في هذا المجال الدكتور عصام السلوادي، الحاصل على دكتوراة
في اصول التربية عن اطروحته في علم الفراسة، كأول رسالة على مستوى العالم العربي. والاستاذ محمد ابو لبن.
مرآة الانسان.
يعتبر الدكتور عصام الوجه بمثابة خريطة الشخصية، يقول: هو بلا شك مرآة الانسان التي تعكس الكثير من شخصيتة، حيث نستطيع من خلال ملامح الوجه قراءة طباعه ومزاجه، وهذا ما يعرف بعلم الفراسة او علم قراءة الوجه (الفيزيونومي )، ويعقب محمد: العيون نافذة الروح معتقد يستحق التوقف عنده والتمعن فيه، خاصة وانه سائد في مختلف الثقافات والحضارات، فالعينين بلا شك تترجم سمات الشخصية كما هي دون تعديل او حتى تجميل.
الشخصية في الرسم.
ويؤكد د. عصام العلاقة القوية بين ملامح الوجه وشخصية الفرد التي اكتشفها الرسامون، موضحين من خلال رسوماتهم هذه العلاقة، فرسمت أعمالهم الشخصية من خلال سمات الوجه كالشجاعة والقوة والبراءة والقيادة والرومانسية والطيبة وكذلك الشر.
بين شايلوك وساندريلا.
ولاثبات ذلك يبين د. عصام بأن وجه البطل يكون في العادة عريض الفك، كبير الذقن، ويضيف: هذه السمات واضحة جدا في شخصية سوبرمان او اي بطل خارق اخر، اما الفم الصغير والعيون الواسعة، والخدود الممتلئة فهي سمات البراءة والرقة كسندريلا مثلا. ويمتاز الأشرار والبخلاء في العادة بسمات وجوه حادة مع بروزو عظام الوجه كشايلوك الشرير في تاجر البندقية.
من الشرق الى الغرب.
بين د. عصام أن اول من استخدم علم الفراسة هم الصينيون كعلم تجريبي يهدف معرفة صفات الشخص وامراضه من خلال الوجه، ومن بعده جاء ابوقراط من خلال مزاج اليد استطاع ان يكشف شخصية الفرد وتم تطبيقه على العبيد والمرضى. تبعه ارسطوالذي توصل الى فكرة ربط سلوك الحيوانات مع وجوه البشر، كالوجه الاسدي والوجه النسري، ثم تبعه بوليمون الحكيم الذي درس الفراسة من خلال تحليل كامل الجسد بجميع اعضائه وكان العبيد كذلك حقلا لتجاربه. أما التجربة العربية فقد كان اول من دوَّنَ علم الفراسة طبيا العالم ابن سينا في كتابه القانون في الطب الذي يتحدث فيه عن مزاج اليد وانعكاس ذلك على الامراض، وعلى شكل الوجه، والجسم. ثم تبعه الرازي وتوالت الدراسات الى ان وصلت الى اوروبا عن طريق كتاب ابن سينا. وأضاف: ظهرت الفراسة عند العرب بمسمى القيافة وهي ليست مجرد قص واقتفاء الأثر لقدم أو خف وحافر، بل لتمييز أوصاف صاحبه، فكانت العرب تميز أثر الأعمى والبصير والشاب والشيخ، والمرأة والرجل، وحتى شكله وهيئته وحجمه، حتى انه كان يعرف البكر من الثيب، وما إذا كان به مرض أو علة في خلقته، والأعجب أنهم كانوا يعرفون مقصده من أثر خطواته، ناهيك عن الريافة وهي استنباط الماء من الأرض بواسطة بعض الأمارات الدالة على وجوده.
بين الكنائس والمحاكم.
ويوضح د. عصام بأن اشهر الدراسات في اوروبا تلك التي قام بها الراهب جون كاسبرلافيتر والقاضي فرانس جوزيف المختص في حالات الاجرام، الذي استطاع من خلال دراساته معرفة المجرم عن طريق عظام الوجه ومقاييس الجمجمة، ويضيف: استخدم جوزيف الوجه ليكون نافذته الى وشخصية المتهم فكانت طريقه الى القراءة الأولية لسمات شخصيته وسلوكه، سواء كان عنيفا، حقودا، انفعاليا، او شخص هادىء رصين لا يمكن أن يقدم على القتل. ثم تبعه شيلدون الذي وضع علم خاص اسمه علم الشخصية من خلال الوجه.
لا للأحكام.
يتدخل زميله محمد ابو لبن الذي يؤكد بأن تقنيّة قراءة الوجه لا تهدف الى إصدار الأحكام ضدّ الأفراد، انما هي تقنيّة تساعدك على فهم نفسك والأشخاص المحيطين بك. ويقول: الهدف ليس معرفة فقط صفات من حولنا ولكن الهدف هو الاستفادة من معرفتنا هذه في بناء جسور متينة وتواصل هادف، وتحقيق الاسلوب الامثل للتعامل مع هذا الفرد وتطويع افضل ما في شخصيته وابرازها.
مئات الصفات.
يؤكد محمد بأن هنالك خمسة اعضاء في الوجه نستطيع منها الولوج الى شخصية الفرد، وهي الطول وحجم العين، شكل الأنف، نمط الوجه، ومزاج اليد وهي نسبة الماء في الجسم فمن خلال هذه الاعضاء نستطيع تحديد 150 صفة، كالدقة، والتحليل، الاهتمام بالتفاصيل، واقعي او رومانسي، خيالي او متردد، مفكر، او ماكر...
علم وفن وموهبة
وفي معرض اجابته عن سؤال حول الفراسة هل هي علم ام فن ام موهبة قال د. عصام: كان العرب يعتقدون خاطئين بأن الفراسة ملكة لها ارتباطات بالحدس، الا ان العلم الحديث اثبت بأنها علم يعلم، وفن يمكن تعلمه ولكن للموهبة دورها في التميز، ويمكن تنمية الموهبة عن طريق الدورات والممارسات حتى يصل الانسان الى الاتقان، مشددا بأنه الفراسة بريئة من عالم الغيبيات.
اليوغا والكونغ فو.
وحول تخصصه في علم الفراسة يقول د. عصام بأن البداية كانت بهدف الفوز فقط، فمن خلال عمله كمدرب للمنتخب الوطني في لعبة الكونغ فو كان لا بد من دراسة الخصم من خلال ملامحة، ومعرفة الكثير من طباعه، وكان لهذه الدراسة الأولية دورها الكبير في الفوز في هذه اللعبة، وقد حقق الفريق نتائج رائعة، ومن هنا كانت الخطوة الاولى. والدكتور عصام مدرس للتربية الرياضية واليوغا، وهو يرى بأن هنالك علاقة قوية بين ثالوث العقل والروح والجسد.
الرياضيات والفراسة.
أما محمد الحاصل على بكالوريس علوم مالية ومصرفية، ويعمل كمشرف مبيعات، فيرى بأن هنالك علاقة قوية بين الرياضيات والفراسة، مؤكدا بأن العالمين قريب من بعضهما، ففي الرياضيات وقائع منطقية ومعادلات حسابية دقيقة كما هو حال علم الفراسة، والنتائج حسب المعطيات مباشرة، ويحكمها المنطق. ويقول محمد: كما نحتاج الرياضيات في جميع مناحي الحياة، وفي ممارساتنا اليومية نحتاج الفراسة كذلك، فهي طريقنا للتعرف على الشخص المقابل، كيفية التعامل معه، كيفية استغلال نقاط القوة، وتجنب نقاط الضعف. في حل مشاكل الابناء، وشريك الحياة، والمعلم مع تلاميذه، والرئيس من مرؤسيه، حتى الطبيب مع مريضه وبالعكس.
الفتيات الأكثر اقبالا.
ولتعميم الفائدة قام د. عصام ومحمد بتأسيس اكاديمية بعد أن تخصصا في علم الفراسة 12 سنة، ويؤكدان بأن الفتيات اكثر اقبالا من الرجال في هذه الأكاديمية، ويقبل عليها الافراد لمعرفة جوانب شخصية شريك الحياة، ولفهم أطفالهم، ومراعاة الفروق بينهم. وحتى يفهم المدير الموظفين، والموظفون مديرهم، وكيفية تكوين أفضل فريق عمل، وكيفية التواصل مع الأخرين بأنجع الطرق وأحسنها، فهي الطريق للنجاح العملي والاسري والاجتماعي.
للدراسة والمهنة.
ويضيف د. عصام تأتي أهمية هذه الدراسة في فهم شخصية من حولنا، وهي بمثابة رؤية موضع قدمك وكيفية التعامل معهم بالشكل الأنسب، ومعرفة نقاط ضعفك وقوتك، حتى انها الطريق لمعرفة المهنة المناسبة والدراسة الفضلى.
بين العمليات والمكياج.
يؤكد محمد بأن الفراسة تكشف كذلك عمليات التجميل وتغير بعض ملامح الوجه، يقول: استطيع ان أرى الوجه وأقرأه كما خلق ومن خلال ملامح بقية تقاسيم الوجه، فلا بد وأن يكون الانف متناسقا مع باقي الوجه، والشفاه كذلك، فأنا أرى الوجه بعد أن اجرده من اي عمليات، او حتى المكياج الذي قد يكون خادعا أحيانا، وهذا يطبق على كامل اعضاء الجسد.
الامام الشافعي والفراسة.
وينهي د. عصام حديثة بالتذكير بقصة الأمام الشافعي رحمه الله الذي درس الفراسة 3 سنوات، وكتب فيها وجمعها عند أهل اليمن، ولما حان انصرافه مر برجل شكله غير مريح ابدا، الا انه اكرمه فبعث له العشاء، والعلف لدابته، وفراشا ولحافا، وهنا تحير الامام وشعر بخيبة أمل وتحسر على سنوات الدراسة تلك بعد أن اثبت الرجل بأنه كريم ومعطاء، وعندما حان وقت رحيل الامام قال له الرجل هل أنا خادم لابيك وبدأ يطالبه بالحساب، وعاد طبعا الامام الشافعي فرحا بأن العلم هذا لم يخيب نظرته ولا دارسته لوجه ذلك الرجل، فعاد وأخبر اصحاب الفراسة بأن علمهم صحيح شريطة الا يؤذوا الناس بذكر المساوئ امام العامة.