نواب وأحداث.. ومفارقات غريبة!
أخبار البلد - ماجد توبه
رفضت غالبية النواب أمس إقرار مدونة السلوك النيابية التي بقيت تراوح مكانها منذ بداية عمر المجلس الحالي، في خطوة لا يمكن وصفها إلا برغبة هذه الغالبية بوضع نفسها فوق النقد والمساءلة المعنوية والأدبية من المجلس ذاته، خاصة أن مشروع المدونة، لم ينص على عقوبات حقيقية.
ومن المفارقات، التي يمكن أن تثير التندر لدى المتابع، أن الجلسة التي أغلق فيها مجلس النواب الباب نهائيا على إقرار مدونة السلوك النيابية، هي نفس الجلسة، التي أقرت فيها الأغلبية النيايبة ذاتها تعديلا غريبا وغير مفهوم على مشروع قانون الأحداث، خفّض بموجبه سن الحدث الذي يخضع للعقوبة من عمر 12 سنة، كما جاء من الحكومة، إلى 7 سنوات!
أي أن السادة النواب، أو الأغلبية المحترمة، التي تستكثر وضع بعض الضوابط والعقوبات المعنوية والأدبية على النواب، رغم تسجيل سلسلة طويلة من قبل البعض منهم لمخالفات وقضايا تحت القبة على مدى أغلب الدورات السابقة، بما فيها الطوشات والشتائم وغيرها، فيما يبدي النواب حرصا غريبا وفي غير مكانه على المجتمع، بتوسيع باب التجريم والعقوبات في قضايا الأحداث لتشمل شريحة الأطفال الصغار، بدءا من عمر سبعة أعوام!
طبعا، في هذا السياق، من غير المفهوم ولا المقبول الإبقاء على هذا التعديل الذي أدخله النواب أمس على قانون الأحداث ليشمل هذا العمر الصغير من الأطفال، ونعتقد أن المختصين بالطفولة والقانون أقدر على تفنيد الحجج التي قدمت لشمول هذه الشريحة من الأطفال.
اما بخصوص حسم النواب لقصة مدونة السلوك بعد لأي طويل، فهو غير مفهوم، خاصة أن السلطة القضائية، التي تعد أعلى السلطات، وقبلها السلطة التنفيذية، قد أصدرتا مدونتين للسلوك لكل منهما، ما يعزز من الشفافية في عملهما.
مشروع مدونة السلوك النيابية، التي وئدت امس تحت القبة، لم تكن قد توسعت في باب العقوبات للمخالفات النيابية، حيث اكتفت بعدد بسيط من العقوبات، منها إشعار النائب شفهيا او خطيا بالخطأ المرتكب، وضرورة الاعتذار الرسمي من قبله في المجلس، عما صدر منه من تصرفات، والحرمان من الكلام في جلسات المجلس مدة لا تقل عن جلسة واحدة، ولا تزيد على خمس جلسات، اضافة الى اقتطاع مبلغ مائتي دينار عن كل جلسة، حرم من حضورها النائب، وحرمانه من المشاركة في الوفود الرسمية لمدة تحددها اللجنة.
من الغريب القول إن مدونة السلوك النيابية تتعارض مع الدستور، على قاعدة أن النائب منتخب مباشرة من الشعب؛ فالالتزام بالأعراف البرلمانية، والعمل التنظيمي الداخلي في المجلس لا يتعارضان مع الدستور، وهو معمول به في أعرق الديمقراطيات، والمدونة يفترض بها إسناد النظام الداخلي للمجلس، والحد من المخالفات السلوكية التي ترتكب من قبل النائب.
الأهم في موضوع مدونة السلوك النيابية، هي الرسالة التي يمكن أن يبعث بها المجلس إلى الرأي العام، من أنه ليس فوق المساءلة والتنظيم، وأن لديه نقدا ذاتيا وتقاليد سلوكية وسياسية تضبط ايقاعه وأجواءه، خاصة أن الذاكرة الشعبية تحمل مواقف ومحطات، تحولت فيها قبة البرلمان لصراعات شخصية وخروج عن حدود الخلافات المقبولة، فضلا عن تسجيل عشرات المشادات والمشاجرات العنيفة.
نعتقد أن الباب ما يزال مفتوحا أمام السادة النواب للعودة وإقرار مدونة السلوك النيابية.