لماذا انهزم الجيش الحكومي في العراق؟!
الجيوش القوية هي التي تبنى على أُسس ومبادئ رصينة وقوية، ومنها الاخلاص وحب الوطن والمواطن، والاستعداد للتضحية بالنفس؛ من أجل تلك المبادئ التي آمنت بهم.
والجيوش لا يمكن أن يكون لها بصمة على أرض الواقع؛ إلا بالتدريبات المستمرة والقوة العادلة، والحيادية في التعامل مع المواقف المختلفة، التي تهدد أمن وسلامة الوطن والمواطن.
حينما احتلت أمريكا العراق عام 2003 عمدت لتفكيك البنية الإدارية والعسكرية والأمنية للدولة، ولتحقيق ذلك أصدر الحاكم الأمريكي المدني (بول بريمر) قراره الانتقامي بحل الجيش السابق بكافة صنوفه، وهذا جزء من مسلسل المؤامرة التي دبرت ضد العراق، وبمرور الزمن وجدوا أنفسهم مضطرين لبناء مؤسسة عسكرية (جديدة)؛ لحفظ الأمن؛ وبسط القانون في المشهد اليومي، على ألا يكون عناصر الجيش الجديد من منتسبي الجيش السابق؛ وهذا القرار يمثل نحراً للخبرة العسكرية السابقة.
وعليه تم بناء جيش (جديد) بإشراف وتدريب قوات الاحتلال الأمريكية، وهذا الجيش صُرفت عليه ثلث ميزانية العراق منذ 2005 حتى اليوم، وقوامه أكثر من مليون ونصف المليون مقاتل في مختلف الصنوف العسكرية والأمنية، ورغم ذلك ما زال هشاً وضعيفاً!
في ليلة 10/6/2014 تفاجأ العالم بسقوط الموصل بيد ثوار العشائر، أو هزيمة أكثر من (52) ألف مقاتل كانوا متواجدين في المدينة؛ وهنا تساءل الكثيرون:
لماذا انهزمت هذه القوات الكبيرة أمام أبناء العشائر؟!
أعتقد أن أهم أسباب هذا الانهيار الأمني يمكن إجمالها في النقاط الآتية:
1. استمرار الظلم الرسمي تجاه أبناء الموصل وبقية أبناء المحافظات الست الثائرة، وهذا الظلم ولد حالة من الغليان الشعبي، الذي وصل لمرحلة الانفجار، التي رأينا آثارها في ثورة شعبية اجتاحت الموصل وتكريت وغيرهما، وربما ستصل تداعياتها إلى قلب المنطقة الخضراء.
2. غالبية عناصر الأجهزة الأمنية يعتقدون أنهم على باطل، وأنهم يلحقون الأذى بأبناء شعبهم، وهذا تسبب بحالة من الانهيار النفسي؛ المتولد من الشعور بالظلم المسيطر على روح غالبية عناصر الجيش؛ لأن الظالم والقاتل والمتسلط دائماً ما يكون مهزوماً في داخله؛ أما المظلوم والمغلوب على أمره فغالباً ما يشعر بقوة الحق؛ على الرغم من أن ظاهر حاله يوحي بالضعف والانهيار.
3. طائفية غالبية عناصر هذه القوات، والطائفية جزء من الثقافة العسكرية، وفي يوم 13/6/2014، عدت صحيفة النيويورك الأمريكية أن: (السبب الرئيس في انهيار الجيش في الموصل هو الطائفية الشديدة، التي تعامل بها نوري المالكي مع الشعب، وأن المالكي مصاب بالهلع، وأن عليه ألا يلوم سوى نفسه؛ بسبب أخطائه الجسيمة، إذ كرس قوة السلطات بيد طائفة بعينها، وتجاوز بكل الوسائل على مكونات الشعب).
4. انتشار الفساد المالي والإداري، مما أدى لبناء مؤسسة هشة؛ لا يمكن أن تصمد أمام أبسط التحديات، وبهذا الخصوص أشار تقرير مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بواشنطن، ونشرته وكالة الأنباء الألمانية يوم 13/6/2014: (أن الجنود العراقيين كانوا في فترة تواجد المستشارين الأمريكيين بالعراق، يقومون ببيع الأسلحة والمعدات العسكرية في السوق السوداء؛ بهدف تحسين رواتبهم الضعيفة).
5. عدم تنظيم عمل المؤسسات العسكرية، حيث إن غالبية المناصب الأمنية اليوم بيد رئيس الحكومية، حيث إنه القائد العام للقوات المسلحة، ووزير الداخلية والدفاع والأمن الوطني، ومدير الاستخبارات، وهذه المناصب لا يمكن لشخص أن يديرها مجتمعة، حتى لو كان داهية عصره!
ولذلك أشار تقرير مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية الأمريكي السابق إلى أن (نوري المالكي نصب نفسه وزيراً للدفاع والداخلية وقائداً للجيش).
هذه الأسباب وغيرها هي التي خلخلت البنية الأساسية للمنظومة العسكرية في العراق.
الجيوش التي لا تهزم، هي التي تُبنى على حب الوطن والمواطن، وتقف ضد كافة أنواع الظلم، وتصطف مع المظلوم ضد الظالم، وإلا فإنها لن تنتصر -مهما كانت امكاناتها المادية- لأن الانتصار الحقيقي هو انتصار القيم والمبادئ، وليس انتصار ارادة الحديد والنار التي يمثلها الأشرار والظلمة والمتجبرين.