نرفض الإرهاب لنا وللآخر



ما نرفضه لشعبنا، نرفضه للآخرين، وكما كان شعبنا رافضاً لمذابح "الهولوكوست" الأوروبية المسيحية، ضد ستة ملايين يهودي خلال الحرب العالمية الثانية، نرفض مذبحة الإبعاد والطرد الصهيونية الإسرائيلية، والتي عملت على تشريد نصف شعبنا العربي الفلسطيني، والبالغ عددهم اليوم حوالي ستة ملايين، من وطنهم إلى خارج فلسطين، يتطلعون نحو عودتهم إلى اللد ويافا وحيفا وعكا وصفد وبئر السبع، وسائر المدن والقرى التي طردوا منها عام 1948 واستعادة ممتلكاتهم فيها ومنها وعليها وفق القرار الأممي 194.
ما نرفضه لشعبنا، نرفضه للآخرين، وأمنياتنا ودعواتنا أن لا يصاب الإسرائيليون الثلاثة من أبناء المستوطنين المستعمرين الأجانب، بأي أذى وأن يعودوا إلى أهاليهم سالمين، لأن العشرات من أولاد شعبنا مخطوفون من قبل المؤسسة العسكرية والأمنية الاحتلالية الاستعمارية، يرزحون في السجون والمعتقلات، فهل يدرك أهالي المفقودين، أن هناك العشرات إن لم يكن المئات من الأولاد الفلسطينيين المخطوفين في الأقبية والزنازين الإسرائيلية، ومن المحرومين من الحياة الطبيعية، ومن عناية أهاليهم، وتعيش أسرهم في حالة قلق يومي دائم منذ أشهر وسنين، متعلقين، بعودة أولادهم إلى بيوتهم وعائلاتهم، سالمين ؟؟.
وهل يدرك أهالي المفقودين الثلاثة أن هناك المئات من الأولاد محرومون من آبائهم المضربين عن الطعام منذ أسابيع، لأنهم موقوفون ومعتقلون إدارياً بقرار تعسفي عسكري بلا محاكمة منذ سنوات، لا ذنب لهم سوى ممارسة الاحتجاجات السلمية ضد الاحتلال والاستعمار والاستيطان، ولو كانت عليهم إدانات أو مستمسكات مادية لارتكاب أية مخالفات أمنية، لما تردد قادة الأجهزة الاستعمارية من تقديم هؤلاء إلى المحاكم العسكرية، وحتى بتلفيقات أمنية، ولكنهم يفتقدون لهذه الادعاءات، فيحبذون حبسهم بدون تهم ولسنوات، فهل يدرك أهالي الأولاد المفقودين، مدى معاناة أولاد الفلسطينيين، الذين يقبعون في السجون بلا محاكمة، وهذا بشأن أفراد، يتعرضون للتعذيب النفسي والجسدي ويتطلعون لممارسة حق الحياة الطبيعية، فماذا بشأن شعب بأكمله محروم من الأمل، ويفتقد للطمأنينة وبلا مقدمات ملموسة توفر لهم فرص الوصول نحو مستقبل مستقر وآمن، وهل تدرك عائلات الصبيان المفقودين حجم معاناة الشعب الذي فرضوا أنفسهم عليه بالاستيطان، ومصادرة أراضيه وهدر كرامته، ومنعه من حق الحياة السوية مثل كل البشر، وذلك بسبب سلوك وممارسات وسياسات إسرائيل، كاستعمار أجنبي، يعتمد القوة والتفوق لتقرير مستقبل شعب لا وطن له سوى الأرض الذي يعيش عليها، وها هو وزير التعليم شاي بيرون الذي ينتمي لحزب يحمل اسم "يوجد مستقبل"، وهو حزب معتدل مقارنة مع الليكود الحاكم، ومع حزب ليبرمان البيت اليهودي، وحزب نفتالي بينت حزب المستوطنين، حيث يقول شاي بيرون أنه يرفض "تقليص أرض إسرائيل الكاملة" إذ أن "الخليل ونابلس، مثلها مثل تل أبيب وكريات شمونه، وبدونهما، إسرائيل لن تكون كاملة " فأي أمل يمكن أن تقدمه حكومة الاستيطان والمستوطنين برئاسة نتنياهو للفلسطيني العادي، حتى يقبل بالحياة والشراكة والتعايش، وإذا كان شاي بيرون وزير التعليم من حزب وسطي معتدل يطالب بنابلس والخليل مثل مطالبته بتل أبيب، فما هو الخيار الذي يتركه للفلسطيني حتى يعيش وأين ؟؟ كما عانى اليهود من الاضطهاد النازي والفاشي في أوروبا، عليهم أن يدركوا أن ثمة بشراً من العرب الفلسطينيين من المسلمين والمسيحيين، يعانون من الاضطهاد الصهيوني الإسرائيلي، وهذا لن يدوم، لأنه ضد العدالة وضد حقوق الإنسان.
ولذلك حتى يستقيم الوضع، ولا يتعرض أي مدني إسرائيلي للأذى، يجب أن لا يتعرض أي فلسطيني للأذى أيضاً، فالفلسطيني يتعرض لأذى مزدوج، نصفه مطرود خارج وطنه يعيش في مخيمات الفقر والحرمان، ويتوق للعودة إلى بيته واستعادة ممتلكاته، ونصفه الآخر يعيش على أرض وطنه، ولكنه محروم من حق الحياة، ويفتقد للمساواة، ويتطلع إلى العدل، وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة، وقوتها الأخلاقية لعلها تنصفه.
h.faraneh@yahoo.com