مونديال التوجيهي

بالتزامن مع نهائيات كأس العالم، انطلقت دورة امتحانات التوجيهي الصيفية؛ ماراثون يستمر قرابة أسبوعين، وفي رأي البعض هي فترة طويلة نسبيا قياسا إلى ما كانت عليه حال "توجيهي" أيام زمان. وهي طويلة كذلك على مرتبات الأمن العام والدرك، التي تبقى في حالة تأهب دائم تحسبا من عنف التوجيهي الذي تحول إلى ظاهرة خلال السنوات الأخيرة.
وما نراه هذه الأيام من حشود أمنية قرب قاعات الامتحان، لا يختلف عن مظاهر الأمن التي تحيط بملاعب كأس العالم في البرازيل؛ اللهم إلا من ناحية عديد القوات بالنظر إلى الحجم الضخم للتظاهرة الكروية، مقارنة مع تظاهرة التوجيهي.
الأيام الأولى للامتحانات مرت بسلام؛ أعمال شغب محدودة هنا وهناك، لكن لا تقارن أبدا مع ما شهدته سنوات سابقة من فوضى قوّضت صدقية الامتحان الوطني.
إعلاء سلطة القانون وفرضها بالقوة المشروعة بدءا من السنة الماضية، أعطيا مفعولهما؛ فقد أدرك عامة الطلبة وأهاليهم أن محاولة الغش والتجاوز على القانون ستكون مكلفة. إضافة إلى ذلك، فإن الإجراءات الفنية المتخذة للحد من استخدام وسائط الاتصال التكنولوجي، قطعت الطريق على إبداعات طلبتنا في الغش، وتسريب أسئلة الامتحانات.
في كل قطاع من القطاعات، يتعين أن تفعل الدولة الشيء ذاته. سنشهد في البداية مقاومة شرسة من الفئات المستفيدة من غياب سلطة القانون، لكن في النهاية سيرضخ الجميع، خاصة إذا ما وجدوا أن القانون يسري على الجميع من دون تمييز.
تماما كما هي الحال في مباريات كأس العالم التي يتابعها الأردنيون مثل بقية شعوب العالم؛ عندما يطبق الحكم قانون اللعبة على الفريقين بالعدل والتساوي، فما من أحد يعترض على أحكامه مهما بدت قاسية، ولا يمكن للاعب مشاغب أن يواصل تعدياته لأن مصيره سيكون الطرد.
لم يكنْ لطلبة التوجيهي أن يخرقوا القانون على النحو الذي شهدناه سابقاً، لو كان لديهم شعور بأنهم سيحاسبون. ولا يجرؤ مواطن، مهما بلغ نفوذه، على حفر بئر ارتوازية من دون ترخيص، لو لم يرَ من قبله متنفذين وأصحاب شأن فعلوا الأمر ذاته وخالفوا القانون. لكن عندما تطمر بئر المتنفذ قبل المواطن العادي، من يفكر بعد ذلك في سرقة المياه؟
بالمناسبة، ملاعبنا مثل حياتنا. ولهذا، لم يكن مستغربا أن نفشل في الحد من ظاهرة عنف الملاعب وتجاوزات اللاعبين وجماهير الأندية؛ فإذا كنا غير قادرين على فرض القانون في ميادين الحياة المختلفة، فكيف نطلب تحقيق ذلك في ملاعب كرة القدم؟!
الأردنيون هذه الأيام يتجمهرون في مناسبتين؛ أمام قاعات التوجيهي بانتظار خروج أبنائهم من الامتحان، وهو تقليد تتمسك به الأغلبية وإن كان بلا معنى، وكذلك أمام شاشات التلفاز الضخمة في المقاهي لمتابعة مباريات كأس العالم حتى آخر الليل.
مؤخرا، دخل على الخط لاعب جديد شتت تركيز المواطنين؛ تنظيم "داعش" وفتوحاته في العراق. صار الكثيرون منا يحسبون حسابا لامتحان المواجهة معه بما يفوق قلقهم من التوجيهي. عموما، الجميع يترقب باهتمام "النهائي" في بغداد؛ فقد يكون أكثر إثارة من نهائي مونديال البرازيل.