المؤتمر العام على كوكب القمر

جبهة العمل الاسلامي تعقد مؤتمرها العام على كوكب القمر! كان لهذا العنوان أن يشكل خبرا صحفيا جذابا وغريبا حتى لو صح في ظل ما يسمى بالرحلات الفضائية لظل مستغربا ايضا، فالأصل في هكذا فعاليات أن تحتضنها أرض الوطن ما دام ذلك الوطن قد رضي بوجودها ورخصها وما دام أبناء ذلك الحزب مواطنين أردنيين يخضعون للقانون الأردني ويلتزمون به!
نباهي في الظاهر بالحياة السياسية في الأردن وبالتعددية الحزبية بل استحدثنا وزارة خاصة للشؤون السياسية والأحزاب لنتحالى بها أمام المجتمع الدولي، ونرد عنا العين ولكن ما وراء هذا المشهد التجميلي قبضة أمنية تعمل في الظلام ومن وراء الستار لتعود بالأردن الى العقلية العرفية وتحد من الحريات وتُسكت كل صوت معارض مطالب بالإصلاح!
وإلا فما معنى ملاحقتها المحمومة لجبهة العمل الإسلامي في الاماكن العامة والخاصة لمنعها من استئجار قاعة تعقد فيها مؤتمرها العام وتواصلها مع بعض الشخصيات السياسية الاعتبارية ونجاحها في ثنيهم عن المشاركة في أعمال المؤتمر بعد أن وافقوا على ذلك؟!
إن الرد على هذه الممارسات التعسفية الاستبدادية لا يكون بالبحث عن حلول وأماكن أخرى وبدائل دون جدوى والركض في حلقة مفرغة بل بفضحها على العلن حتى يعرف الجميع الصورة الحقيقية وادعاء الديمقراطية الذي نمارسه في الاردن وذلك بعقد المؤتمر في العراء في الشارع المقابل لرئاسة الوزراء حتى يعلم العالم كيف تضيق الحكومة الاردنية وأذرعها بأحزابها ومواطنيها ما لم يكونوا من عينة الصوت الواحد الذي يبصم لها ولو على قطع رقبته!
إن الناظر المنصف الى سيرة جبهة العمل الاسلامي وتاريخها سيعرف أنه حزب أردني مخلص في الولاء والانتماء للوطن حريص على مصالحه متناغم مع طموحات أبنائه حكيم في سياساته يمسك بالعصا من المنتصف ولم يقطع ولم يسد الأبواب أبدا في وجه الحوار والتعاون إلا وتكون الحكومة هي السباقة الى ذلك!
والسؤال المهم: من المستفيد من سياسة التضييق والحشر في الزاوية لحزب سياسي معروفة توجهاته وأجنداته ومعلنة بشفافية للجميع؟ من المستفيد من حالة التصعيد والتوتر بالتضييق على حدث بروتوكولي معروف ومتفق عليه في القوانين التأسيسية للحزب التي وافقت عليها الحكومة وقبلتها ورخصت الحزب على أساسها؟! الى أين يريد أولئك أن يقودوا الشعب الاردني في حال لو غاب الحوار العقلاني والقبول السياسي لكل أطياف العملية السياسية الاردنية؟! أليس الأولى بهم ان يطلقوا مبادرات التقارب والتفاهم والتعاون ليبقى للاردن تميزه وليكون حقا عبر الربيع بأقل الخسائر وأعظم المكاسب؟!
ليس عندنا مانع أن ترسلنا الحكومة في رحلة الى القمر لعقد مؤتمرنا العام هناك، وتنفق علينا من ميزانية الوزارة ذات الشأن! المشكلة أن قلوبنا وأجسادنا مجبولة بحب هذا الوطن ولا ترى عنه بديلا ولو كان القمر مهوى أفئدة البشر!
ربما أن تكون دبلوماسيا مع الذين لا يفهمون ذلك هو ايضا ضرب من العبط والتخاذل والانحناء للموجة كل مرة قد يغرق ولا يعود المرء يستطيع بعد ذلك الصمود ولا السباحة.
ربما هذا وقت شد شعرة معاوية فلقد أرخيناها طويلا حتى قطعت أنفاسنا، فشد يا منصور وشد يا أبا السكر ونحن معكم نشد الى أي شارع من شوارع الاردن، فهذا بلد لا يضيق بأبنائه ولو ضاقت أخلاق بعض رجاله.