القذافي ابن الستة وستين
حقير هذا الكرسي الذي يتنازع عليه الناس وجاهل من يعتقد ان المنصب مغنما ، وبائس من يغره البهرج الكذاب بتحملق الناس حوله هيبة من منصبة لا احتراما ذاتيا له . القذافي عميد زعماء العرب وافريقيا كما يحلو له تسميه نفسه ، خرج في حديث صحفي حينما اطيح بالرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي قائلا : بت اخشى ان كل هذه المظاهرات والمسيرات والدعم والتاييد لي في ليبيا هي كالتي كنا نشاهدها لزين العابدين ، كلها زيف وربما يفعل شعبي بي مثلما فعل للزعيم التونسي . كان الرجل صادقا ، بعكس معظم الرجال والزعماء وقنوات الاعلام ورجال الفكر والدين والسياسة الذي تحملقوا حوله وابدوا له اسمى ايات الولاء والطاعة حتى جاء يوم الفصل ، فوقع الرجل وانهالت عليه السكاكين من القريب قبل البعيد . ممثل ليبيا في الامم المتحدة وصف القذافي في اول ايام الازمة بانه رجل عظيم وحكيم ، وخلال بضع ايام اصبح القذافي عند نفس الرجل طاغية ومجرم وكذلك الحال للعديد من الدبلوماسين الذين كانوا يتباركون بمجرد الجلوس عند قدميه . ايطاليا التي قدم رئيس وزرائها سلفيو برلسكوني اعتذار بلاده عن استعمار ليبيا معترفا بالضرر الذي ألحقته تلك الحقبة بهذا البلد ، قائلا في طرابلس ان الصلح التاريخي ينهي أربعين عاما من سوء التفاهم وإنه إقرار كامل وأخلاقي بالأضرار التي لحقت بليبيا على يد إيطاليا في عهد الاستعمار ، موضحا أن إيطاليا ستستثمر مائتي مليون دولار سنويا في الجماهيرية الليبية على مدى 25 عاما كنوع من التكفير عن الذنب ، اليوم تقول ان الرجل فاقد الشرعية . كذلك امريكا وبعد قضية طائرة لوكاربي الشهيرة عام 1988 عندما انفجرت الطائرة البوينغ 747، التابعة لشركة بان أمريكان أثناء تحليقها فوق الاراضي الأسكتلندية ونجم الحادث حينها عن مقتل 259 شخصاً وبعد سنوات من التحقيق تنقلت الاتهامات شرقاً وغرباً وفق مصالح الطرف القوي الولايات المتحدة، ثم ألقيت المسؤولية أولاً على منظمة فلسطينية، ثم على سوريا ، وبعدها على ايران، وأخيراً وقع الاختيار على ليبيا.
وبدأت العقوبات ، وما ان تصالحت امريكا والعالم مع الرجل بعدما اعترفت ليبيا بمسؤوليتها المدنية عن التفجير في وقت لاحق ودفعت تعويضات لأسر الضحايا ليتوج هذا المسار بإعلان مجلس الأمن عام 2003 رفع العقوبات عن ليبيا، وبعودة العلاقات مع دول غربية كبرى، حتى قالت امريكا ان عصر النهضة الحقيقي والنمو بدأ في ليبيا وفتحت صفحة جديدة في العلاقات الليبية الامريكية ، واليوم تخرج امريكا ذاتها وعلى لسان رئيسها ووزيرة خارجيته ليقولا : ليرحل هذا الرجل فورا ، وتبدأ سلسة اخرى من العقوبات الدولية ، من نفس القاعة التي شهدت الفيتو الامريكي المخزي ضد وقف الاستيطان ، بل ان وزير العدل الليبي مصطفى محمد عبد الجليل استيقظ ضميره اليوم ليخرج ويقول أنه يملك أدلة على أن معمر القذافي هو من 'أعطى الأمر' بتفجير طائرة الركاب الأميركية 'بان آم' فوق قرية لوكربي . حتى الزهار الذي عينته حماس وزيرا لخارجيتها في الحكومة العاشرة قال للرجل اثناء زيارته لمنزله عام 2006 في طرابلس الذي تعرض الى ضربة جوية أمريكية واستشهدت ابنته في المنزل على خلفية اتهام واشنطن لليبيا بتفجير ملهى ليلي في برلين عام 1986 ، كتب الزهار في دفتر الزوار كلمة جاء فيها : لقد شُرفت وإخواني بزيارة العقيد القذافى قائد الثورة المنتصرة أمين الأمة على مصالحها ومصالح شعبها وهو يقف مع الشعب الفلسطيني وشعوب الأمم المقهورة ، أسأل الله العلي القدير أن يحفظ القذافى وأن ينصر الشعب الليبي ويحفظه ذخراً للأمة بكامله . الزهار في العام 2006 وصف القذافي بأنه امين هذه الامة ودعا الله ان يحفظه ، واليوم حماس تحرق صوره في غزة وتتظاهر ضده ، تماما كما ترفع حماس اليوم صور امير قطر وهو من فتح ارض قطر الحرة للقواعد الامريكية التي انطلق منها الطيران الحربي وقتل مليون ونصف عراقي ، كذلك من زودت بلاده الطائرات الاسرائيلية من القواعد الامريكية المتواجدة على اراضيها اثناء حرب الاحتلال الاسرائيلي على فلسطين ، واليوم ترفع صور الزعيم القطري العربي الخالد عاليا في غزة في مشهد ربما لا ولن يفهمه احد سوى انه قمة الجهل وطمس الرأس الغبي بالرمل ، والسؤال هنا ، لو اطاح شعب قطر بأميره ، هل ستحرق حركة الاخوان المسلمين صوره بعدما رفعتها كما تفعل مع القذافي الان ، لا سيما وان القرضاوي الذي افتى بقتل القذافي وان مسؤول عن دمه يوم القيامه هو ذاته من زاره مع كل الدكتور عمر عبد الكافي مدير مركز الدراسات القرآنية في دبي، والدكتور محمد حسان رئيس تجمع أهل السنة بمصر، والدكتور صفوت حجازي عضو المجمع العلمي لبحوث القرآن والسنة بمصر، والدكتور محمد راتب النابلسي أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة بجامعة دمشق، والدكتور سعد الدين هلالي أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر ، والدكتور العربي الكشاط عميد مسجد الدعوة الإسلامية بالعاصمة الفرنسية باريس والشيخ أحمد محمد أبو إسلام مدير قناة الأمة ، كلهم اموا دار ضيافة القذافي ودعوا له حينها بالخير والبركة ، مما حدى اليوم بنجل القذافي القول بعدما خرج معظم هؤلاء يكيلون التهم ضد ابيه ' هؤلاء المشايخ الذين يهاجموننا كانوا يأتون الى ليبيا ويأكلون ويشربون معنا وكانوا يلعقون احذيتنا'.كان القذافي في نظر الاسلاميين بطلا ، فحج له مشعل دوما ، ووصفه بالزعيم التاريخي عندما كان يفتح بلاده وخزائنه لهم ، ونال من المديح الكثير بعدما رفض استقبال الزعيم الفلسطيني ابو مازن ابان القمة العربية الاخيرة في المطار ، وايضا عندما تم إرسال السفينة ' امثاليا ' من مؤسسة القذافي والتي حملت ألفي طن من الأدوية والمساعدات لغزة وفيها ابنه شخصيا ، ليحول الموقف اليوم الى عداء تاريخي واهدار دم وانتظار اعدام .
العشرات من القصص والمواقف ، ليس للقذافي فحسب ، وانما يقاس عليه ما حصل في تونس ومصر ، فأعضاء الحزب الوطني في مصر كما كان يقول قادته عددهم نحو ' 4 ملايين ' هل شاهد احد منهم واحدا يوم ان سقط الزعيم ، او حتى واحدا من اعضاء حكومته او موظفي رئاسته ؟حتى ان القنوات التي تنطق العربية وربما اشهرها الجزيرة القطرية التي خصها القذافي عام 2000 في مقابلة تلفزيونية حصرية عرض خلالها مقررات القمة العربية قبل ان تبدأ بأيام ، عالجت موضوع الحركات الاحتجاجية في تلك البلدان من موقع الثأر ، فكان دافعها الشخصي في مصر كما ليبيا هو الثأر من الزعيمين ، لا البحث عن حرية الشعوب ، تماما كما اهملت موضوع البحرين حتى لا يقترب الخطر من اراضيها لو تم انتقال تلك الحركات لدول الخليج بعد اليمن الذي بات هو الاخر يترنح . كنت لا استبعد عندما قالت بعض وسائل الاعلام عن وفاة الرئيسين المصري والتونسي ان يكون الخبر صحيحا ، كيف لا وهم يشاهدون من كانوا يلتصقون بالارض انحناء لهم بالامس، يهاجمونهم في الاعلام اليوم ، في مشهد كان الاصدق فيه المطرب المصري الشعبي ' شعبولا ' الذي بات موقفه قريبا جدا من موقع العديد من الشخصيات الكبيرة والحركات الاسلامية عندما سالوه عن طبيعة ردة فعله لو ان الاخوان المسلمين امسكوا بمقاليد الحكم في مصر ، فقال ، ساعتزل الغناء واقرأ القران والحق بعمرو خالد !!