القائمة النسبية لم تعد مناسبة

 

كثيرون كانوا وما يزالون يدافعون عن استخدام القوائم النسبية نظاما انتخابيا، حيث تترشح قوائم انتخابية وتحصل كل منها على نسبة من مقاعد البرلمان توازي نسبة ما حصلت عليه من أصوات. ولكن متغيرات دولية وإقليمية، وتجارب عملية، باتت تبرر مراجعة المؤمنين بهذا النظام لأفكارهم. وتزداد مناقشة هذه القضية لأنّ دولا عربية عدة الآن تستعد لتطوير قوانينها الانتخابية.

 

في الأردن، على سبيل المثال، وعندما كانت تُعدّ أنظمة مجالس واتحادات الطلبة في الجامعات مطلع التسعينيات، طلب ممثلو أحزاب اليسار، من دون فائدة، اتباع القائمة النسبية، مدركين أنّ الإسلاميين يتفوقون عليهم ولديهم أغلبية الأصوات. ذلك أن القائمة النسبية تعطيهم مكانا، فمثلا إذا حصلوا على 25 % من الأصوات حصلوا على ربع مقاعد المجلس، بينما حسب نظام الانتخابات التقليدية فإن من يفوز بـ51 % من الأصوات قد يحصل على 100 % من المقاعد. ويرى باحثون أنّ هذا النظام يقدم تمثيلا أفضل للقاعدة الانتخابية.

 

في الانتخابات الفلسطينية العام 2006 اتبعت القائمة النسبية لـ50 % من المقاعد، وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس يريد تطبيق النظام لكل المقاعد، إلا أن تنظيمه "فتح" رفض ذلك. عبّاس يعرف أنّ شعبية حركة "فتح" أعلى من شعبية قياداتها وعناصرها، وأنّ الرصيد التاريخي للحركة سيجعل أعدادا أكبر من الناخبين يصوتون للحركة، بينما ممارسات الحركة وعناصرها ستقلل التصويت لأفرادها. كما أن انتخابات على أساس أفراد لكل دائرة سيزيد الانقسامات داخل الحركة على من سيكون مرشح الدائرة. وكان أداء "فتح" في مقاعد القائمة النسبية أفضل بالفعل من الدوائر الفردية.

 

تجربة العراق أثبتت أن القائمة النسبية تعاني ثغرات خطرة. فقد كان مأمولا أنّ القوائم النسبية ستدفع الأحزاب والقوى لتقديم كتل فيها كل المكونات الطائفية والقومية في الدولة، ما يحقق الوحدة الوطنية. ولكن ما حدث أنّ كل القوائم تشكلت على أساس طائفي، فأصبح التصويت لمكونات طائفية. والواقع أنّ "إسرائيل" كانت مثالا ناجحا لهذا النظام في الماضي، عندما كانت الكتل الانتخابية تميل بالفعل لجمع أعضاء يمثلون المكونات الطائفية والقومية لكل من اليهود والعرب، ولكن في السنوات الأخيرة أصبح هناك أحزاب لليهود الشرقيين، وأخرى لليهود الروس، وكذلك للعرب، فلم يعد النظام يحقق وحدة مجتمعية بل يؤدي لانقسام.

 

كذلك، يعمل الاتجاه العالمي لتراجع الايديولوجيا والأحزاب ضد هذا النظام. وهذا التراجع يفتح الباب بالتالي أمام عودة الهويات التقليدية القبلية والطائفية والعرقية، فيجعل القائمة النسبية صراعا بين هذه المكونات، أو في أحسن الأحوال فإنّ القوى المنظمة، من أحزاب وغيرها، حتى وإن كانت لا تعبر عن الأغلبية الصامتة، ستفوز بالنسب الأعلى على حساب أفراد لا ينتمون للأحزاب وقد يتمتعون بكفاءة وشعبية في دوائرهم. على أن أنظمة الدوائر الانتخابية الصغيرة التي فيها مقعد واحد لكل دائرة، كما هو معمول فيها حتى في دول عريقة انتخابيا، أو بعدد من المقاعد القليلة لكل دائرة ولكن من دون نظام الصوت الواحد، قد تأتي أيضا برجال أعمال لديهم مال للإنفاق، وقد تحدث تنافسات وصراعات عشائرية وقبلية وطائفية، تجعل القضايا الوطنية والمواطن ليست محور العملية الانتخابية.

 

هذا يتطلب تفكيرا في القانون الانتخابي الأفضل، والذي قد يكون مزيجا من أكثر من نوع، منها مثلا دوائر انتخابية موسعة بعدد أكبر من المقاعد فلا تكون القاعدة الانتخابية تعبر عن هوية فرعية واحدة. وربما جعل جزء من المقاعد للقوائم النسبية وتشجيع قوائم انتخابية تجسد وحدة وطنية ومقاعد للتنافس الفردي، من دون تقسيم الدوائر بشكل كبير أو وفق حسابات قبلية وجهوية، والمقصود من ذلك زيادة فرص خروج نواب وطن ومواطنين، لا ممثلين عن طوائف وعشائر ومكونات الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية.