الاسترضاء والاستدانة وشبح 1989

 

حالة الارتباك الراهنة بين فعل في الشارع وردات فعل حكومية قد تقود الى ما لا يحمد عقباه، ورغم أن حراك الشارع سياسيا واجتماعيا واقتصاديا سيؤسس لاوضاع افضل في المستقبل عبر فرض ارادة المواطن التي غيبت لوقت طويل، إلا أن عناوين رئيسة في اقتصاديات الدولة تدق ناقوس الخطر.

 

تجربة 1989 قاسية ومن المفروض أن نكون قد تعلمنا منها الكثير وملامح الخطر ماثلة في الوقت الحالي من خلال عجز الموازنة الذي ارتفع الى 1.16 بليون دينار ومديونية البلاد التي بلغت 11.7 بليون دينار، ولعل الحكومة الراحلة وكذلك الحالية قد عززتا من سياسات الاسترضاء وتقديم المزايا حتى اصبح لدينا حديث عن 460 مليون دينار تمثل كلفة اضافية من حكومة رحلت مؤخرا يتم تحميلها الان الى موازنة عاجزة ومديونية ثقيلة يظهر شبحها في كل لحظة امام كل اردني.

 

توزيع هذه الكلفة بتقليص النفقات الرأسمالية بمبلغ 220 مليون دينار وتغطية جزء من المبلغ المتبقي من خلال رفع حجم المساعدات الخارجية ليس امرا حتميا، فلا نعلم يقينا ان كانت تلك المساعدات بالصورة التي تأملها الحكومة ام ان الامر ينطوي على توقعات افرطت في التفاؤل وفي الاستناد على وعود قد لا يتحقق بعضها.

 

واذا كان سر ضعفنا الاقتصادي في السابق تركز في تفشي الفساد وانفتاح الشهية للانفاق العام، فان تحميل الدولة تبعا للمظهرين السابقين مديونيات طائلة تسبب في الدخول في برامج دولية ووطنية لتصويب المسار الاقتصادي، واذا كانت الحكومات في السابق تقترض خارجيا لدفع رواتب ونفقات عامة، فما الذي يشعرنا بالفرق بين تلك الحكومات التي تسببت فيما تسببت فيه من تشوه اقتصادي ما يزال قائما وبين الحكومة الحالية التي تسعى لاقتراض مئات الملايين من البنك الدولي بهدف تغطية زيادات الرواتب او كلفة الاعلاف او لكي تبيع المؤسسات الاستهلاكية باسعار متدنية.

 

هذا النزف المستمر لعجز الموازنة يجب ان يتوقف وتلك الحلول "الخلاقة" التي تسعى لرمي البلاد مجددا في اتون مديونيات خارجية وما يأتي بعدها من اشتراطات تقلل من استقلالية الدولة واقتصادها من المفترض ان يوضع لها حد، وحتى الحدود القانونية التي يسمح بها قانون الدين العام – ان لا تتجاوز المديونية 60 % من الناتج المحلي الاجمالي - يتم التحايل عليه من خلال التبرير بأن الناتج المحلي الاجمالي يكبر، وتكبر معه نسبة الستين في المائة التي يتطلبها القانون. غير ان الواقع المرتبك يجافي الوضع الصحي المطلوب، وعلامات التحسن لا تعدو وقفا لنزف العجز وتقليصا للمديونية وليس زيادتها تارة في الاستدانة الداخلية، واخرى من البنك الدولي او من باقي مؤسسات التمويل الخارجية.

 

صحيح ان الفرق بين عامي 1989 و2011 واضح على صعيد قوة الدينار، لكن الاقتصاد المتين لا يعني سعر صرف وحسب، وليس مقبولا ان يكون لدينا احتياطيات اجنبية وفيرة ودينار قوي، ويقابل ذلك اتساع في عجز الموازنة وافراط في الاستدانة وبون شاسع في عجز الميزان التجاري، واهم من كل ما سبق ان لدينا مؤشرات سلبية تكشفها نسب البطالة ومعدلات الفقر لا سيما في بؤره الجديدة خارج العاصمة.

 

ويختزل الناطق باسم الحكومة طاهر العدوان كثيرا من التحليل عن حال الحكومة في الاونة الاخيرة، اذ قال قبل أيام في مادبا إن "الحكومة باتت تعمل تحت قصف الضغط الشعبي والحزبي ومضطرة للتعامل مع قضايا عديدة في اجواء من عدم الثقة"، والمأمول ان لا تتسبب طريقة العمل تلك في اغراق البلاد بمزيد من الاسترضاء والمزايا على حساب إيذاء الاقتصاد والعودة بنا الى المربع الاول قبل 22 عاما.