الغرب وكابوس انتصار الأسد

ظهرت سلسلة حوادث وظواهر خلف غبار الشتائم وقلّة الأدب والتنكّر للوقائع الصارخة التي تظهر فقدان الاتزان وخلع القفازات بسبب الرعب في باريس وواشنطن أمام زحف ملايين السوريين إلى صناديق الاقتراع، في انتخابات تنافسية ساهمت في تغطيتها شبكة عالمية من مئات المراسلين ونقلت صورتها المدهشة إلى العالم، من غير إشارة إلى شائبة واحدة يمكن أن تخدم مزاعم الضغط والإكراه الذي نقضه السوريون بتحويل الانتخابات مناسبة احتفال تحدّوا به التهديد الإرهابي والقذائف المتناثرة.


الحدث الأبرز بل الوحيد الذي يمكن تفسير تلك الظواهر السياسية به هو الانتخابات الرئاسية السورية ونتيجتها التي صدمت حلف العدوان على سورية بقيادته الأميركية وبأذنابه في أوروبا، وفرنسا بخاصة، وبأدواته في المنطقة، وكذلك طابوره اللبناني القبيح المثقل بدماء الأبرياء وبخبز النازحين المنهوب.

فجأة حطّ وزير الخارجية الأميركي جون كيري في بيروت، ومن غير أيّ ترتيب مسبق درجت عليه الخارجية الأميركية تحديداً للمواعيد وجداول أعمال اللقاءات، وحذف منها الاجتماع التقليدي بقوى 14 آذار وبالنائب وليد جنبلاط وفقاً لما درجت عليه السفارة الأميركية في التحضير لقدوم أي زائر أميركي «كبير» إلى بيروت منذ سنوات، وقد فوجئ رئيس الحكومة تمام سلام نفسه بالزيارة كسواه من اللبنانيين.

رغم مزاعمه «الصفريّة» عن الحدث الذي جاء به على عجل، أي نتائج الانتخابات السورية وأرقامها الصادمة والمشهد الذي فجع قوى 14 آذار مرتين، في السفارة السورية وجديدة يابوس، كانت في زيارة كيري محاولة لتأكيد الحضور أمام مخاوف وهواجس من تأثر النفوذ الأميركي والغربي والخليجي في لبنان بانتصار الدولة السورية التي تدشن فصلاً جديداً من صمودها ونهوضها بعد الانتخاب الكاسح للرئيس بشار الأسد، ورسالة كيري الموجهة إلى حزب الله كقوة إقليمية مؤثرة كانت اعترافاً بإحدى نتائج الانتصار السوري الذي صنعه السوريون بقوة وعزم شديدين عبر صناديق الاقتراع في وجه أدوات الحرب الأميركية من مجموعات المرتزقة وعملاء «إسرائيل» وفصائل التكفير التي يرعب الغرب في الفترة الأخيرة خطر ارتدادها إلى نحره، بعد هزائمها في سورية وخروج جماعات منها على سيطرة المشغّلين.

عكَسَ لوران فابيوس التابع الذليل للسياسة الأميركية و«الإسرائيلية» في المنطقة ذلك الرعب، فحزبه الاستعماري العجوز طامح إلى فتات دور سياسي واقتصادي في المنطقة، وقد أخرجت الولايات المتحدة التابع الفرنسي من أسواق العراق التي استأثر بنصيب أساسي منها في العقود الأخيرة من القرن الماضي، وأخرجت فرنسا نفسها من أسواق إيران بخضوعها لإملاءات الولايات المتحدة، وستكون بانتصار الأسد خارج سورية بعدما تصدّر الفرنسيون حلف العدوان عليها، وبينما تستجدي فرنسا تعاوناً أمنياً مكتوماً مع الدولة الوطنية السورية تراهن بسياستها على إسقاط تلك الدولة وتطمح إلى الشراكة في وضع اليد على سورية وقرارها، وهو رهان سحقه السوريون بالانتخابات الديمقراطية التي زعم الغرب أنها مقصده في حربه على سورية.

على من يعقل ويفكر في المنطقة، وفي لبنان تحديداً، التأمّل والسؤال عن سرّ انتقال الولايات المتحدة إلى منطق التفاوض حول أوكرانيا، وعن سرّ الزيارة المفاجئة لجون كيري إلى بيروت، وعن خلفية استعجال الولايات المتحدة طلب لقاءات ثنائية مع إيران، وعن خلفية زيارة سعود الفيصل إلى روسيا ولقائه الرئيس فلاديمير بوتين.

انتصار الرئيس بشار الأسد بشعبه المقاوم يكرّس بداية جديدة في مسيرة انهزام حلف العدوان، ويفتح الطريق لتحوّلات ومساومات يضع الأميركيون في حسابها عنصراً مستجداً هو دور سورية الإقليمي وموقعها الحاسم والمفصلي في التوازنات المتغيّرة من ضمن حلف أثبت تماسكه وصلابته يضمّ عالمياً روسيا والصين ودول البريكس وإيران وحزب الله في المنطقة، وهو حلف أثبت القدرة على التناغم والثبات واستعصى على جميع المناورات والمؤامرات.

إذا كانت فرنسا هولاند تفصيلاً في الحسابات الأميركية لما بعد انتصار الأسد، وهي تعبّر عن رعبها بكلام يمثل فضيحة جديدة لوزير خارجيتها المثقل بالفضائح، وهو وجهها الكريه الكالح في الخارج والداخل، فماذا عن التفاصيل الأخرى في حلف العدوان على سورية؟ والتي يطلب إليها التكيّف مع الوقائع الجديدة ويلهث بعضها لحصر الأضرار والخسائر قبل أن تجتاحهم التحوّلات القاهرة، مثلما فعل سعود الفيصل في كلامه إلى الزعيم الروسي عن الانتقال لقبول منطق الحلّ السياسي في سورية، وهو المهدّد بفقدان منصبه مع اكتمال هزيمة الحلف الذي كان أبرز رموزه صلافة وعنجهية؟