هواجس أميركا الثلاثة بعد الانتخابات السورية

أخبار البلد
 
اعتبر الرئيس بشار الأسد أنّ نسبة المشاركة العالية في الانتخابات الرئاسية «تشكّل رسالة قوية للغرب وللدول المتورّطة في الحرب على سورية».


حليفتا سورية، روسيا وإيران، امتدحتا شفافيتها وشرعيتها. المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية الكسندر لوكافيتش قال: «نعتبر التصويت حدثاً مهماً في شأن استمرار عمل مؤسسات الدولة عملاً بدستور البلد ذي السيادة. لا يمكن تجاهل رأي ملايين السوريين الذين توجهوا إلى صناديق الاقتراع على رغم التهديد الإرهابي، واختاروا مستقبل البلاد».

وزارة الخارجية الإيرانية رحّبت بالطابع التعددي للانتخابات واحترامها المبادئ الديمقراطية، وأكدت «أنّ إيران ترى في هذه الانتخابات إشارة إلى عصر أفضل من الاستقرار والوحدة الوطنية في سورية».

في المقابل، رفض «الائتلاف الوطني» السوري المعارض في الخارج الانتخابات، معتبراً انها «انتخابات الدم… والشعب مستمر في ثورته».

وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ قال: «هذه الانتخابات ليست لها علاقة بالديمقراطية الحقيقية».

وزير الخارجية الأميركي جون كيري وصف الانتخابات بأنها «صفر من دون معنى».

هل هي فعلاً من دون معنى؟

كلا، بل مترعة بالمعاني والتداعيات، أبرزها في المرحلة الراهنة ثلاثة:

تبدّى أول تداعيات الانتخابات السورية في مسارعة كيري إلى قطع مشاركته في جولة رئيسه باراك أوباما الأوروبية التي بدأت في فرنسا حيث جرى الاحتفال بالذكرى السبعين للإنزال الذي نفذه الحلفاء في النورماندي خلال الحرب العالمية الثانية، طائراً إلى بيروت ليلتقي رئيس الحكومة تمام سلام ورئيس مجلس النواب نبيه بري والبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي.

في اختتام زيارته الخاطفة التي دامت أربع ساعات، صدر عن كيري، للمرة الأولى، موقف لافت يفيد الاعتراف بحزب الله قوةً إقليمية فاعلة. فقد دعا خلال مؤتمر صحافي في السراي الحكومية، كلاًّ من روسيا وإيران وحزب الله إلى «العمل معاً لوضع حدٍّ للحرب في سورية». اللافت في إشارته الى حزب الله ليس الاعتراف به فحسب، بل عدم توصيفه كتنظيم «إرهابي»، كما يفعل المسؤولون الأميركيون دائماً، وموازاته أيضاً بإيران وروسيا من حيث التأثير في مجريات الأزمة السورية. ثم أنّ دعوة كيري الموجّهة إلى حلفاء سورية الثلاثة من بيروت غداة الانتخابات الرئاسية السورية تدلّ على وجود هاجس لديه من تداعيات نتيجتها على دول الجوار، ولا سيما لبنان والأردن، فهرع إلى بيروت ليحتويها ويؤكد دعمه لحكومة تمام سلام التي باتت، بعد خلوّ سدة الرئاسة، السلطة التي تتولى وكالةً صلاحيات رئيس الجمهورية.

إلى ذلك، تكشّفت زيارة كيري الخاطفة إلى بيروت عن هاجس آخر يتصل بنتيجة الانتخابات السورية. فقد أوحى في محادثاته مع المسؤولين كما في مؤتمره الصحافي بوجود مخاوف لدى واشنطن من أن يؤدي شعور الأسد بالانتصار إلى مضاعفة نفوذ حلفائه في لبنان، وبالتالي إلى تزايد نفوذ دمشق على نحوٍ يؤدي تالياً إلى إضعاف حلفاء الولايات المتحدة المحليين. فوق ذلك، تخَوّف كيري من التأثيرات السلبية لشغور سدة الرئاسة على استجابة الجيش وقوى الأمن اللبنانية لأي طارئ في غياب رئيس للدولة.

غير أنّ هاجس كيري الأكبر هو حساسيته إزاء مئات آلاف النازحين السوريين والانعكاسات الاقتصادية والأمنية لوجودهم في لبنان والمنطقة. فقد ناهز تعداد هؤلاء النازحين في لبنان على المليون ونصف المليون، أي ما يساوي ربع عدد السكان اللبنانيين، وهم ما زالوا يتدفقون. وإذ شاطر كيري المسؤولين اللبنانيين مخاوفهم من عدم قدرة البلاد اقتصادياً على تحمّل أعباء هذه الكتلة البشرية المتعاظمة وقدّم لهم دعماً مالياً بقيمة 51 مليون دولار، فإنه لم يتوانَ عن إبداء مخاوف أكبر من أن يتحوّل عشرات آلاف السوريين النازحين إلى لبنان قوة أمنية بيد دمشق تحركها في الداخل لخدمة سياستها وسياسة حلفائها المحليين.

تخوّف كيري من الانعكاسات السلبية لمئات آلاف النازحين السوريين في دول الجوار لا يقتصر على لبنان ولا على النواحي الاقتصادية والأمنية فحسب، بل يطاول أيضاً النواحي الديموغرافية والسياسية. فهو لم يكتم خشيته من انعكاسات هذه الظاهرة على الأردن، وقبله على لبنان، ما يؤدي إلى الإخلال بتركيبتهما الاجتماعية والسياسية. وقد تساءل بعض المسؤولين اللبنانيين ممن استمع إلى ملاحظاته في هذا الشأن عمّا إذا كانت هواجسه المتزايدة ستدفع واشنطن الى إعادة النظر بسياستها تجاه سورية لوضع حدٍّ للحرب العبثية الدائرة فيها منذ أكثر من ثلاث سنوات، وذلك بغية تدارك مفاعيلها وانعكاساتها السلبية على الدول المجاورة.

غير أنّ الهاجس الثالث الأقوى والأكثر مدعاة لقلق رؤساء الدول في أميركا وأوروبا وروسيا أيضاً هو «الجهاديون» والتنظيمات الإرهابية في العالم، ولا سيما في سورية والعراق واليمن وسيناء المصرية وليبيا. صحيح أنّ حكومات دول الحلف الأطلسي لا تعترض على ولا تكترث بما يرتكبه الإرهابيون وتنظيماتهم ضدّ حكومات الدول الآنفة الذكر وشعوبها، لكنها بدأت تقلق مما يقومون به ضدّ حلفائها المحليين المعارضين في تلك الدول التي تعاني حروباً واضطرابات أمنية منذ سنوات. غير أنّ قلقها الأكبر بات الآثار المترتبة على عودة المئات من مواطنيها الذين يقاتلون في صفوف التنظيمات الإرهابية في تلك الدول المضطربة، ولا سيما سورية والعراق وليبيا، إلى بلادهم الأم. بعض مسؤولي أجهزة الاستخبارات الأوروبية بات يخشى من أن يشكّل «الجهاديون» الأوروبيون العائدون مجموعات منظمة متصلة بتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» داعش للقيام بعمليات إرهابية مباشرة في دول أوروبا.

تقدّر أجهزة الاستخبارات عدد «الجهاديين» الأوروبيين بنحو 3000. تقول إنهم يتوجّهون غالباً إلى سورية والعراق عبر تركيا بدعوى السياحة أو بدعوى الانخراط في العمل الاجتماعي الإنساني. وينسب الصحافي موسى عاصي إلى أستاذ العلوم السياسية في باريس بيار فيليو الذي أقام في سورية فترات متقطعة منذ 2011 قوله إنّ تنظيم «الجهاديين» الأوروبيين يحارب تحت راية «داعش»، وأنّ الخوف الأوروبي اليوم هو من أن يكون زعيمه أبو بكر البغدادي الذي بدأ فعلاً بمزاحمة «القاعدة» على الساحة الدولية في حاجة إلى عمل إرهابي ضخم يفوق بتداعياته جميع عمليات «القاعدة» وآخرها تفجيرات نيويورك في 11 أيلول 2001، وذلك من أجل ترسيخ «داعش» كقوة «جهادية» دولية أولى.

الخوف من «الجهاديين» وتنظيماتهم الإرهابية لا يقتصر على دول الحلف الأطلسي بل يمتدّ أيضاً إلى روسيا. فقد حذّر بوتين في مقابلة مع قناة «تي أف1» الفرنسية من أنّ العناصر المتشدّدة الموجودة في سورية ستشكل خطراً على أوروبا في المستقبل، متخوّفاً من أن تتحوّل سورية إلى أفغانستان أخرى».

تُرى، هل يقرّب الخوف من «الجهاديين» بين أميركا وأوروبا من جهة وروسيا من جهة أخرى، فتجد الأزمة السورية حلاً سياسياً سلمياً لها يُنهي سفك دماء الناس بلا جدوى؟