المواقف حسب الكرسي (٢)

كم معارض يا ترى خلع ثوبه، وانتقل إلى الضفة الأخرى، فهذا صار رئيسا ً للوزراء، وأخر وزيراً للتنمية السياسية، وذاك أخوانياً أصبح نائباً، وأخر عيناً، وثالث صار وزيراً وسفيراً، ورابع، مديراً للمخابرات،، وغيرهم الكثير، ألم يكن هؤلاء معارضين، ألم يكن هؤلاء موالين للنظام، كيف تناسوا ما قالوا وافعالوا، كيف أضحى هؤلاء قادة نظام، ومن ثم كيف صاروا معارضين له ؟

يا لكذبهم !

كيف تطلبون إذن من الشعب أن يؤمن بما تقولون، وأنتم أول من حطم المبادئ، ونقلب عليها، فقط بعد أول اتصال تجريه بعض الجهات معكم، أو بعد أول مكافئة تحصلون عليها من أسفل الطاولة، أو بعد أول سيارة تهدى لكم، لشراء صمتهم.

لننظر مثلاً إلى الفئة التي أوجعت رؤوس الشعب، وهي تتحدث عن الاصلاح وضرورته، والانتخابات واهميتها، وعندما فرض قانون الانتخاب الجديد، بسلبياته، هرولت له مسرعة، تشرع وجوده، وتقبل به، لا لانه ضرورة حتمية لابد منها، بل لانها رآت فيه طريقاً يمهد، لعودتها إلى عوالم الأضواء.

هؤلاء شاركوا في الانتخابات، وما أن جرت الرياح بما لا تشتهي سفنهم، تحولت وانقلبت نظرتهم، فالانتخابات التي شاركوا بها، أضحت مزورة، والقانون الذي أوجدها صار حجري، لكن، ماذا لو حملت الانتخابات هذه الفئات إلى قبة البرلمان ؟ أتكون نظرتهم بهذا السوء والسقوط ؟

ما ينطبق على التيار الليبرالي بالضرورة ينطبق على التيار المحافظ الذي يعتقد أن اساليبه الصخرية، ونظرته الفردية، تعمل على حماية الدولة، مع أن الأصل أن المحافظ، لابد أن يصون الدولة، ولا يسمح ببيعها أو المتاجرة بأحلام أبنائها، أن يعمل على تطويرها، لا أن يقف بوجه اصلاحها وإعادة بنائها، المحافظ الحقيقي هو من يعمل على حمايتها من الفاسدين، لا أن يشترك معهم ويحميهم، ويقتسم معهم مكاسبهم غير المشروعة، والمناسف !

لماذا يعتبرون الشعب " غير مؤهل " يحمل اسفاراً، لا يعي أهميتها، ولا سقوى على إدارة نفسه، مع أنهم بناة الأردن الفعليين، لماذا ينظرون للشعب، وهم يخاطبونه من ابراجهم العاجية، المحاطة بأسلاك شائكة، ومحروسة بالكلاب والاتباع، على أمل أن يستمع الشعب لوحيهم المقدس، الذي يستوجب الطاعة العمياء.

لذا نقول: إن العيب في الليبراليين لا التيار اليبرالي، في المحافظين لا التيار المحافظ ، في المعارضين لا في المعارضة.

وبناء عليه، للحكومة بسيئاتها، وكثرة اخطاءها، واتساع رقعة كذبها، إلا أنها تبقى أكثر فاعلية وأكثر اقناعاً من الفئات، التي لا تعارض في اغلبها إلا من أجل مصالحها، وجيوبها، وقيمة ارصدتها.

إلى هؤلاء أقول : قبل أن تطلوا عبر الفضائيات أو عبر المقالات أو عبر المحاضرات، فقط، فكروا للحظة، ماذا اقترفت أياديكم، وأنتم في قلب المسؤولية. أضرب قلبك، أستمع لصرخات ضميرك الذي تحجر، عله يمنحك شيئاً تحاول أن تنساه، لكن، قبل هذا وذاك، أعلم أن المواطن ليس غبياً، فهو يعي جيداً سمات الرجال، كما أنه لا ينسى أفعالهم وتقلبهم.

أحاديث هؤلاء التي يدلون بها هنا وهناك للتعقيب على الفساد ومحاربته، والاصلاح واهميته، والدولة وحمايتها، بأختصار هؤلاء هم أصحاب اليتار الليبرالي، والمحافظ، والمعارضين، ليسوا إلا أدوات متوحشة اقتصادياً، لكنها أرانب سياسية، تساير مصالحها، ولا تتخطاها، تؤدي ما يطلب منها، بمنتهى الحرفية، وبصمت.

من يعتقد ويراهن على أن هذه التيارات قادرة على استعادة الوطن من أيادي مافيا الفساد، إنما هو واهم، إذ أن أزمة الثقة الناتجة عن اكاذيبهم وافعالهم المتناقضة، عملت على جعل الشعب يسقط فعل الاهتمام بهم، وبما يقولون.

اخيراً: اصدقوا مع انفسكم أولاً، عندئذ ” قد " يصدقكم الشعب.


خالد عياصرة
kayasrh@ymail.com