مصالحة فلسطينية..اسألوا «السيسي» اولًا!
هناك كلمتان تصيبان المواطن الفلسطيني بالغثيان اكثر من غيرهما كلمات، الاولى؛ هي «السلطة» والثانية؛ «المصالحة»، الاولى؛ لانها ارتبطت في اذهان الكثيرين بالفشل، وادعاء العجز، والتواطؤ مع الاحتلال ضد اشكال المقاومة كافة تحت مسميات التنسيق الامني، والثانية؛ اي المصالحة، لانها مثل المستحيلات الثلاثة: الغول والعنقاء والخل الوفي.
يتجدد الحديث هذه الايام عن المصالحة الوطنية الفلسطينية، ويشكل الرئيس الفلسطيني محمود عباس «لجنة خماسية» للذهاب الى قطاع غزة لبحث هذه المصالحة، ويصرح السيد اسماعيل هنية رئيس حكومة القطاع بان حركة «حماس» بصدد اتخاذ خطوات مهمة باتجاه تحقيقها، والتصدي للسياسات الاسرائيلية تجاه القضية والقدس.
منذ اكثر من ست سنوات ونحن نقرأ عن وفود تشكلت واخرى انفرطت، ولقاءات في القاهرة واخرى في الدوحة، واتفاقات تُوقَّع تحت اضواء فلاشات التلفزة، والنتيجة صفر كبير، بل كبير جدا.
ما لا يدركه القادة الفلسطينيون، او يتعامون عنه، ان الشعوب العربية ملّت منا، وباتت قضيتنا الفلسطينية في ذيل اهتماماتها، وعلينا ان نلوم انفسنا قبل ان نلوم الآخرين، ونبحث عن الاعذار والحجج لتبرير قصورنا وحالة الهوان التي نعيش في ظلها تحت مسميات متعددة.
عندما كان الرئيس حسني مبارك في الحكم، ويقوم رئيس مخابراته اللواء عمر سليمان بادارة الملف الفلسطيني، ورعاية المصالحة، كان موقف الرئيس عباس قويا، وموقف الطرف الآخر (حماس) ضعيفا، فتعطلت المصالحة واتفاقاتها جميعا، لان المصالحة مع حماس تعني العداء مع اسرائيل والدول الغربية، فقد خير بنيامين نتنياهو عباس بين حماس واسرائيل، فاختار الثانية حرصا على استمرار تدفق اموال الدول المانحة ودفع رواتب 160 الفا هم عماد الدعم للسلطة، وعندما عزلت الثورة المصرية الرئيس مبارك، وجاء الرئيس محمد مرسي الى الحكم عبر صناديق الاقتراع شعرت حماس بالنشوة، واعتقدت محقة، انها ستحكم العرب جميعا، وباتت تملك مفاتيح مصر ولم تعد بحاجة لعباس وسلطته وادارت ظهرها للمصالحة كليا، او بالاحرى ارادتها بشروطها التعجيزية.
الآن تغيرت الصورة، وطرأ عنصر جديد ومهم في معادلة المصالحة اسمه «السيسي» خلط كل الاوراق، واوجد واقعا جديدا، عنوانه العداء الشديد لحركة «حماس» باعتبارها امتدادا لحركة الاخوان المسلمين، والفتور تجاه الرئيس عباس وحركة «فتح» بسبب «العالم الدحلاني».
المشير عبد الفتاح السيسي بات حليفا قويا لمحمد دحلان، وفتح له ابواب القاهرة على مصاريعها باعتباره عدوا لحماس وحركة الاخوان، ومدعوما من قوتين هائلتين، الاولى عربية ممثلة بدولة الامارات العربية المتحدة وملياراتها، والثانية مصرية عنوانها امبراطورية نجيب سويرس الاقتصادية العملاقة، ولهذا استقبله في مكتبه استقبال الزعماء.
النظرية التي تقول عدو عدوي صديقي هي التي اعادت فتح ملف المصالحة مجددا، فاللقاء الوحيد والاهم بين حركتي «فتح» و«حماس» هذه الايام هو العداء «لظاهرة دحلان» وعلاقاته القوية مع مصر السيسي، فالرئيس عباس يكره دحلان اكثر مما يكره نتنياهو، وحماس تعتبره خطرا على وجود حكمها في القطاع مثل اي اجتياح اسرائيلي وربما اخطر، وهذا التقدير يستند الى الكثير من المنطق لكنه لا يستحق ان يكون اساسا او دافعا لاية مصالحة.
اية مصالحة تقوم على ارضية العداء لدحلان مصالحة هزلية وتسيء للقضية الفلسطينية وكل الشهداء الذين سقطوا لنصرتها على مدى اكثر من سبعين عاما ان لم يكن اكثر، فالمصالحة الحقيقية التي يتطلع اليها الشعب الفلسطيني هي تلك التي تقوم على ارضية مواجهة الاحتلال الاسرائيلي بالطرق والوسائل كافة، وغير ذلك ضحك على الذقون، وتقزيم للثوابت الوطنية الفلسطينية وتفريط فيها.
عندما يقف الرئيس عباس في خندق المقاومة جنبا الى جنب مع كل الفصائل الاخرى، وتعود حركة «حماس» الى مسيرتها الاولى التي جعلتها تفوز بالاغلبية في الانتخابات التشريعية، فان جميع المعادلات الاقليمية والدولية ستتغير، والمصالحة الوطنية ستترسخ، وسيضطر المشير السيسي الى فتح معبر رفح على مدى 24 ساعة، واستقبال هنية وعباس ومشعل وشلح معا فارشا السجاد الاحمر لهم وكل قادة الفصائل الاخرى وستنكشف ظاهرة دحلان وربما تتلاشى، اما ان يظل عباس في قفص المفاوضات اسيرا، وتحرص حركة «حماس» على التهدئة بالطريقة نفسها التي كانت تفعلها السلطة قبل الانقلاب عليها وابعادها من القطاع، فلا مصالحة ولا يحزنون، وانما افلاس كامل، ومحاولة للضحك على النفس والشعب الفلسطيني الذي لم تعد تنطلي عليه هذه الحيل المشكوفة.