جماعات على شكـل مـؤسسات ...

.. تـكـوَّن المجتمع الأردنــي عـبْـرَ تاريخٍ ليس طويلاً وتحديداً منذ انحسار وتراجع الخلافه الاسلاميه العثمانيه لصالحِ الثورةِ العربيةِ الكبرى والدول الغربيةِ ذات النفوذِ والمصالحِ الإستراتيجيةِ في الشرق الأوسط عموماً والأردنِّ خصوصاً.


.فالمجتمع الأردنيُّ شديدُ التـنوُّع في بُـنـيـتِـه وانتمائِه مـثـلما هو مجتمعٌ متناقضٌ ومأزوم ٌحتى في تحديد هويتِـهِ الوطنيةِ وتعاطيه مع قضاياه .
غيراً بسرعةٍ مذهلةٍ ومُغـلَقاً ثابتاً مُـنْـكَفِئاً على جذوره انكفاءَ أصيلاَ وهو سلفيٌّ تقليديّ غيبي في منطلقاته ، ومستقبلي متجدِّدٌ علمانيٌّ مستحدثٌ في تطـلُّـعاته والعكس يبدو صحيحاً في فتراتٍ أخرى ، وربما في الوقت ذاته أيضا ، وهو مركزيٌّ يحتلُّ موقعاً استراتيجياً ومتصلاً اتصالاً وثيقاً بالعالم وقضايا المنطقةِ وأيضاً هامشيٌّ قليلُ الفعلِ كثيرُ الانفعالِ بين مجتمعات العالم الحديث . غنيٌّ في موقعِـهِ وربما ثرواتِهِ وفقيرٌ متخلفٌ مهيمنٌ عليهِ ومهدَّدٌ في الداخل والخارج ، صامدٌ رافضٌ ومسالمٌ مستسلمٌ ، متوحِّــدٌ ومنقسمٌ على نفسِه متفائلٌ واثقٌ بنفسِهِ ومتشائمٌ مُـتَـدنٍّ في معنوياتــه ، يملك تاريخاً مجيداً ويختزلُــهُ في سنواتٍ ويحملُ صُورةً سلبيةً لنفسِه، وهو متقدمٌ متراجعٌ في دورانٍ سقيمٍ حول نفسِـهِ مأساويٍّ هزلــيٍّ في أمنياتِــهِ واستجابتهِ للتحديات التاريخيه .

المجتمع الأردنــي بإختصار تآلــفُ كلُّ هذه التناقضات وغيرها في عالم شديد التناقض ، والمجتمع الأردنــي مغتربٌ عن ذاتـهِ ويسعى جاهداً إلــى تجاوزِ

ف
فهو مرحَـلِيٌّ انتقالـيٌّ يتجاذبُــهُ الماضي والمستقبل ، والشرق والغرب في آنٍ واحد ، وهو منفتحٌ على التغيُّرات التي تجتاحُ العالم بأسرِهِ ، فيبدو م
ت اغترابــهِ وتبعـيَّــتِـهِ وأزمةِ المجتمعِ المدني عن طريق المشاركةِ الشعبيَّـة في تغيير واقعهِ وصُـنـعِ مصيره .
بتقديري إنّ هذا التناقضَ الثقافي الإجتماعي الرهيبَ هو الرافدُ الأساسيُّ لمؤسَّساتِ الدولــةِ وهو بمثابةِ الحبلِ الصرِّيِّ لها الناقلُ للعدوى من أصغر وحدةٍ اجتماعيَّـةٍ إلــى كافة مؤسسات الدوله وأجهزتها وأجندتــهــا .

و
تيجةً لذلك تكوَّنــتْ الجماعاتُ والشـلـلـيـَّةُ في جميع المواقع والمؤسسات والأجهزةِ وكنتيجةٍ طبيعيَّــةٍ لتضاربِ المصالحِ بين الجماعاتِ وسعيُ كلِّ منها للإستحواذِ والإستـئـثـارِ بالمنافعِ والإمتيازاتِ والإقصاءِ لجماعاتٍ أخرى في غالــب الأحيان ؛ تدور معاركُ الجماعاتِ على حسابِ الدولــةِ وبإسمها، وغالباً ما تكون مؤسساتِ الدولةِ هي ساحةُ المعركـــةِ ، ولكلِّ معركــةٌ لونٌ وشكلٌ وأدواتٌ وحلفاءٌ ورائحة ...
و
ن
حداً لتناحرِ الجماعات وتنافسها . وإلا سيبقى الوضع فــي الأردن كحال جميع الدول العربيه محكوماً بحكــم الجماعات وليس بحكم المؤسسات وتبقى ثقافةُ التقرُّبِ واللَّـهـثِ وراءَ الانتسابِ لإحدى تلك الجماعات ثقافــةٌ يمارسُها الباحثونَ عــن الأمــنِ الوظيفيّ والامتيازات أو بحثاً عــن مستقبلٍ أو نفوذٍ أو منافعٍ ، لأنَّ كـلَّ جماعةٍ معنيَّـةٍ بتعـمـيـقِ نفوذِها وبَـسـْطِ سـيطـرتِها على مؤسساتِ الدولــةِ مـــن خلال تقديم مُنـتَـسـبـْيها وأزلامِها وزرعِــهــم في جـسـمِ الدولــةِ على كلِّ المستويات الوظيفيَّـةِ وتقديم مصالح الجماعةِ وزعيمها على مصلحــة الوطــــن وبنائــه، وهذا ما يبرِّر وجود الولاءات الضيِّــقــه للجماعه وتقديمها على الولاء للوطــــن .

وأخلُــص مـــــن هذا إلــى أنَّ الأزمـــةَ في المجتمع الأردنـــي أعمـــقُ من مظــهــرِهــا ، وإنَّ بناءَ دولــةِ مؤسـسّـاتٍ من الداخلِ يقتضي القيام بعمليةِ تجريفٍ سياسيٍّ واجتماعيّ وثقافيّ والعمل على تغيير نمط تفكير الدولةِ وصولا إلــى تفكيكِ الجماعاتِ ذات الولاءات الضيِّــقةِ أو تقليم مخالبها مرحلـيَّــاً ، والعمل على بناء دولــةٍ ذات ثقافةٍ واضحةٍ في ذهــن الصغير والكبيروالتي تقوم على الحفاظ على القيم والثقافــه الأصيله المتحضِّــره وبنفس الوقت الانفتاح المدروس على العالم وأخْـذِ جرعاتٍ مــن الحـداثـةِ بما يـتـلائـمُ مع خصوصية المجتمعِ الأردنــي وتعزيــزِ الهــويــةِ الوطــنــيـةِ ، وهذا يتطلَّــبُ مشروعاً وطنياً نـهـضَـويَّـاً يـتَّـسِـعُ للجميع بحيث ينخرطُ الجميع فــي جـسـمِ المشروع لا أنْ يذوب المشروع في برنامجِ جماعه ، لكي نضعَ
المحامـــي / فراس صالــح ملـكـاوي