لمـاذا بشــّار الأســد؟

كثيرة هي الشعوب التي تقرأ التاريخ، ولكنّ الشعوب التي تقرأ التاريخ وتعتبر بدروسه أقلّ بكثير، والأقلّ منها تلك الشعوب التي تقرأ التاريخ وتعي حوادثه وتستوعبها في الوعي الجمعي الذي يحدّد الإطار العام لمناعة أي شعب ضد الأخطار التي قد يتعرض لها. يقول المفكر الإسلامي د. محمد عمارة: إنّ قراءة التاريخ شيء والوعي بالتاريخ شيء آخر. فقراءة التاريخ لا تحتاج إلى أكثر من إجادة القراءة والقدرة على حفظ الحوادث واسترجاعها عند الحاجة إليها، بينما يحتاج الوعي بالتاريخ إلى عقل علمي قادر على دراسة الحدث التاريخي دراسةً موضوعية من خلال عدم اجتزائه من زمنه التاريخي، ولا من موقعه الجغرافي ومحيطه الحضاري الذي يشمل العوامل الاجتماعية والثقافية والدينية والاقتصادية، وهذا ما يؤمّن لنا فهماً صحيحاً ودقيقاً لما دار من حوادث في زمنٍ تاريخي ما، وبالتالي يمكننا من استيعاب دروسه وعبره والإفادة منها في حوادث مشابهة لها. مما تقدم نستطيع أن نفهم ونحلل موقف الشعب العربي في سورية ممّا يحصل فيها من ويلات، فالوعي الجمعي للشعب السوري يرتكز على مجموعةٍ من النقاط جعلته عصيّاً على الانكسار ولا أقول الاختراق، فاختراق وعي جمعي لأيّ شعب في العالم أمر واقعي يحدث في كل زمان ومكان، خاصةً في أيامنا هذه التي باتت فيها المعلومات أكثر غزارة من الأمطار. وهذا ما حدث في سورية وبعض الدول العربية والأجنبية إذ اختُرق الوعي الجمعي لتلك الشعوب في جزءٍ من مجموعاته ومكوّناته. لكنّ قوة هذا الوعي ومناعته المستمدّة من عددٍ من النقاط وقفت بوجه سقوطه وانكساره في سورية وفي مقدّمها:


أولاً: إن الشعب السوري يعي وبوضوحٍ تام أن نهضته التي بدأها في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين ما كان لها أن تخبو لولا اجتياح الجيوش الفرنسية والبريطانية المنطقة، بناءً على اتفاقية «سايكس بيكو» التي كان هدفها تمزيق المنطقة لطوائف وقبائل متناحرة ليسهل السيطرة عليها واستغلال ثرواتها. واليوم لن يسمح الشعب العربي المقاوم للغرب بأن يجهض مشروعه النهضوي.

ثانيا ً : إن الشعب السوري يدرك أن وقفة الأجداد وفي مقدّمهم صالح العلي وابراهيم هنانو وسلطان باشا الأطرش وأحمد مريود ومحمد الأشمر وحسن الخراط، عطلت على المستعمرين إتمام مخططهم الاستعماري، وحافظت على سورية موحدة من خلال القتال تحت شعار «الدين لله والوطن للجميع» الذي نادى به المغفور له سلطان باشا الأطرش لدى قيادته الثورة السورية الكبرى. واليوم وبعد مئة عام فإنّ الشعب السوري المقاوم لن يقاتل إلاّ أعداءه وتحت الشعار نفسه.

ثالثاً: إنّ الشعب السوري كلّه يفهم ويضع قيام دول الاستعمار الغربي وفي مقدّمها بريطانيا بزرع الكيان الصهيوني السرطاني في أرض فلسطين الحبيبة في إطار حرصه على حراسة مصالحه التي لا يمكن تأمينها إلاّ من خلال إبقاء المنطقة في حالة من التناحر والتجزئة وعدم الاستقرار الذي يمنعها من التطور والتنمية.

رابعاً: إنّ الشعب السوري كلّه كان يدرك أن الاستقلال الحقيقي لا يعني خروج الجيوش المحتلة من الأراضي العربية فحسب، بل إن الاستقلال الحقيقي لا يتم إلاّ باستقلالية القرار وعدم التبعية لأحد.

خامساً: إن الشعب السوري أدرك وبوعيٍ لا حدود له أن سورية لم تعرف الأمن والاستقرار وهما شرطان أساسيان للتطور والعمران إلاّ في الفترة الممتدة بين عامي 1970 و 2010 إبان عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد، وبعده الرئيس الدكتور بشار الأسد، وقبلهما ما عرفت سورية نهضة ولا تطوراً لا في المجال العمراني والزراعي ولا في المجال الصناعي ولا الصحي والتعليمي أو العسكري، بل إن الدولة السورية الحديثة التي تقف اليوم بفخرٍ واعتزاز في وجه هذه الحرب الكونية بنيت في عهديهما ولا ينكر هذه الحقيقة إلاّ أعمى البصر والبصيرة أو الجاحد الناكر للجميل وكلاهما لا ينتمي إلى الشعب الذي أتحدث عنه…

سادساً: إنّ الشعب السوري عبر تاريخه يؤمن إيمان اليقين بأن كرامة المواطن لا تستمد إلاّ من كرامة الوطن، وبالتالي فإن الكرامة الوطنية تأتي في مقدم المتطلبات والثوابت الوطنية للشعب السوري. لذا كان المعيار الأهمّ في اختيار الزعيم أو القائد أو الرئيس مدى تمسكه بكرامة الوطن وعزّته بغض النظر عن أي شيءٍ آخر مهما تكن أهميته بالنسبة للشعب.

سابعاً: كون الشعب السوري وريثاً لحضاراتٍ ممتدة عبر التاريخ صبغت تراثه الفكري بالتسامح والانفتاح على الآخر فشكلت نسيجه الفسيفسائي الذي بات نموذجاً يحتذى للشعوب الراقية المحبة للسلام جعل منه شعباً متحاباً متسامحاً رافضاً كلّ أشكال التعصب والتطرّف. وما جعل معظم الشعب السوري ومنذ اللحظات الأولى يقف في وجه تلك الحرب الكونية التي لو شنّت على أي بلدٍ في العالم لانهار منذ العام الأول على أبعد تقدير. إن شعباً هذه مقوّمات شخصيته الجمعيّة لا يمكن إلاّ أن ينتصر في وجه المؤامرات والتحديات كافة. وما دام هذا الانتصار نتج من توحده خلف جيشٍ عقائدي وقيادةٍ أثبتت على مدى أربعين شهراً من الحرب براعةً قل نظيرها في إدارة الأزمة، لذا لا يمكن لهذا الشعب إلاّ أن يعيد اختيار تلك القيادة والمتمثلة بالرئيس الدكتور بشار الأسد ليبحر بها إلى المستقبل المنشود بعدما تجذر الفكر المقاوم وباتت سورية قلبه النابض.

للعالم كله نقول: نحن الشعب العربي السوري من يعلّم العالم كيف تكون الديمقراطية والحرية، ونحن من يخطّ التاريخ بأحرفٍ تعبق بالإباء والعزة والكرامة. نحن أبناء دمشق الذين أقسمنا على أسوارها أنّ سقوطها ضرب من محال… فجبلنا بعطر ياسمينها دمانا وتحطمت على أبوابها جميع مؤامرات الأعداء والغادرين، وها نحن اليوم نرفع رايات النصر على أسوارها معلنين للعالم كلّه أنّ لا رئيس لسورية سوى الرئيس بشار الأسد الذي وقف منذ اللحظة الأولى مدافعاً عن وطنه بحكمةٍ وشجاعة متحمّلاً كامل مسؤولياته… بلى، بشار الأسد ولا أحد… سواء أراد بطل الكاو بوي أو لم يرد… وسواء أعجب الصعلوك « شمعون « وحاخاماته في تركيا ودول الخليج أو لم يعجبهم. الشعب السوري قال كلمته مذ قال القائد بشار أمام مجلس الشعب في بداية الأزمة «إذا أردتموها حربا ً فنحن لها».