جدلية العلاقة مع السفارات الأمريكية والأخريات
جدلية العلاقة مع السفارات الأمريكية والأخريات
يتفتق ذهن الكثير من كتابنا عن أهزوجة تستنكر تدخل بعض السفارات وبالأخص السفارة الأمريكية في الشأن الداخلي وينكرون عليها التواصل مع الشارع والناس وبين قوسين: المعارضة...وبطريقة الحق المُراد به باطل يطلقون تحليلاتهم وفي هذا الوقت بالذات، ولا يلتفتون إلى صمتهم خلال التاريخ الطويل عن الدلال والتغانج وسنين العسل بين الأنظمة والحكومات من جهة ووصاية السفارات من جهة أخرى إلى حد أن من كان يرغب بأن يُصبح وزيراً فما عليه إلا الحجيج إلى السفارة الأمريكية والطواف حولها ست مرات ومن كان يرغب أن يُشكل حكومة أو يُصبح وزيراً من الدرجة الأولى خارجية، داخلية،دفاع - فما عليه إلا أن يزور سفارة تل أبيب أو أحد مكاتبها إن لم تكن هنالك سفارة ويُقدم الولاء والطاعة والآن تعلوا أصوات فوق أصوات الحق لتحذر من تواصل السفارة الأمريكية مع المعارضة والشارع تحت ضغط المستجدات على الساحة العربية والدولية وفي حالة تُنبئ ببداية تأسيس لمرحلة جديدة وعلاقات على أُسس مستحدثة تنطلق من قواعد القواعد.
السفارة الأمريكية في عمان أو في أي عاصمة أُخرى تعمل من اجل مصالح أمريكيا وهذا طبيعي جداً...ولكن الغير طبيعي أن ننتقد السفارات ولا ننتقد الحكومات المؤتمرة بأوامر السفارات ...أن لا ننتقد تشكيل الحكومات بوصفات من السفارات، ومن غير المُنصف أن نُغفل التجاوزات من قِبل السفارات حينما تكون في صالح الأنظمة والحكومات وننتقدها حينما يكون هناك انسجاماً بسيطاً مع مطالب الشعوب والمعارضات في زمن تتقاطع فيه المتناقضات...من مصلحة شعوبنا العربية والإسلامية أن يؤسس الغرب لعلاقات مع شعوب الوطن العربي والعالم الإسلامي على أساس المصالح والمراعاة لحقوق الشعوب، ومن الجميل أن نفهم تطلع شعوب أوروبا وأمريكيا إلى مثل هكذا علاقات، فليس الخلاف الحاصل بيننا وبين الغرب هو خلاف بين الشعوب بقدر ما هو خلاف بين النخب ...خلاف بين شعوبنا من جهة وتحالف حكوماتنا وحكوماتهم من جهةٍ أخرى ...آن الأوان أن تتحالف شعوب الوطن العربي مع شعوب أوروبا وأمريكيا ضد كل أنواع الظلم والطغيان وضد كل أنواع الاضطهاد وتكميم الأفواه وضد تحالف الأنظمة المنهارة مع إدارات الدول العُظمى في قمع المستضعفين في الأرض...أما أن نغضب لسبب أن الولايات المتحدة الأمريكية تنتقد الظلم والسجون وتباطؤ الإصلاح في أوطاننا فهذا ظلم بعينه وما بعده ظلم.
ورغم تحفظنا على مسيرة الولايات المتحدة طيلة تاريخها كدولة عظمى في المساعدة في تحويل أوطان كاملة إلى قوانتينامو وسجون قمع، تارةً بالتأيد للأنظمة وتارةً بغض الطرف عنها وتركها تسرح وتمرح كما يحلو لها إلا أننا نشعر أن عظمة الولايات المتحدة العسكرية والاقتصادية في أفول وانكفاء وليس لهم إلا البحث عن عظمة من نوع آخر تعتمد على عظمة المبادئ التي أُنشئت من اجلها وعلى أساسها الولايات المتحدة المستندة إلى الحرية والديمقراطية والتبشير بهما، ففيهما مصلحة لشعوبنا ووصفة مُغفلة لتجديد وإعادة صياغة عظمة الولايات المتحدة ولكن بنكهة جديدة هذه المرة....أنجاز الإنسان الأمريكي ورغم قِصر تاريخ الولايات المتحدة عظيم وله أثره الخلاق على العالم اجمع، ورغم الوجه القبيح للولايات المتحدة فأن هنالك جانب عظيم من الانجازات على الصعيد الإنساني! فنصف الانجاز العلمي العالمي أمريكي وثلث الخبز العالمي أمريكي وأكثر من نصف الثقافة العالمية (ورغم المجاز في هذا التعبير) هي ثقافة أمريكية أو أوروبية.
نغتاظ جداً حينما تعاملنا أوروبا وأمريكيا بازدواجية صلفة ونحزن كثيراً ونحتج حينما تضطهدنا الولايات المتحدة وحليفاتها الأوروبيات ولكننا يجب أن لا نمارس ازدواجيتهم في الحكم على كل ما هو أوروبي وأمريكي بأنه سلبي فهنالك الايجابي الذي يُملي علينا الواجب أن ننهض ونؤيده بنفس قوة احتجاجنا على ازدواجيتهم وسلبياتهم وفي هذا مصلحة لنا ولشعوبنا فحينما تكون سجين رأي أو معتقلاً في غيابة الجب بسبب إطالة اللسان على النظام أو بسبب تكدر مزاج السلطان أو احد أزلامه فانك تُحيي وتقدس كل شعار وتوجه يُنادي بفك أسرك ويرحم نفسك وجسدك وأهلك وأطفالك وحتى لو جاء من عدوك، فعدوك الذي لا يغفل عنك ويذكرك ويتذّكرك ويُذكر بك في محنتك خير من صديقك الذي إن لم ينساك يتناساك.
أنحني بإجلال للبريطاني جون قلوي المناضل من أجل العروبة والإسلام أكثر من مناضلين العرب أنفسهم ويقدم أكثر منا جميعاً لقضية فلسطين ولأطفال غزة ورغم محاولة إعاقته من قبل الأنظمة ورغم محاصرتنا لغزة ....أُقبل أيادي العجوز الأوربية والتي تأبى إلا أن تحتج على ما يجري لنا على أيدي أعدائنا وبالتعاون مع بعضٍ من نخبنا في ذبحنا، فتخرج وتحمل الورود ترحماً على أطفال فلسطين في البرد القارص وتحت المطر ورغم أن رفاهية كلبها تفوق مصاريف عائلة أردنية في معان أو يمنية في صعده ....أحيي الملاين البريطانيين والأسبان والايطاليين الذين خرجوا في مسيرات تستنكر الاعتداء على لبنان أو العراق أو غزة....آن الأوان أن نتحرر من ازدواجيتنا في الحكم على الآخرين قبل أن نطالب الآخرين في التخلص من ازدواجيتهم ....آن الأوان الذي يتوجب فيه أن نفهم الغرب حينما يُصادر ثرواتنا ويستغلها في صناعة مركبات فضائية وأقمار اصطناعية وأجهزة ألتراساوند علاجية وعلاجات لأمراض لم تكن ليشفى منها الإنسان أفضل ممن يحَوّل فلوس النفط إلى مسابقات هجن وناطحات سحاب زجاجية مستوردة تُحاكي السحاب في ارتفاعها وفي قاعدتها يستوطن الجهل والخراب وأعشاش الغراب....لا بد من إعادة صياغة فهمنا وإعادة تشكيل ثقافتنا العربية العروبية الإسلامية والأممية لتنسجم مع المستقبل الذي نرغب، ولا ننسى أننا بحاجة لتجديد طريقة مُخاطبة شعوب ونخب العالم الغربي الذين بدءوا في الانفكاك من نير النمطية في التفكير ومن نير الصهيونية المُغرضة وبسبب ظروف فرضتها التكنولوجيا المتطورة وثورة الحاسوب والاتصالات والتي أبدعوها هم وليس نحن وما علينا إلا أن نجيد استخدامها وتوظيفها في خدمة قضايانا ومستقبل أبنائنا ...آن الأوان أن نُفهم الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة أن في حريتنا وتحررنا مصلحة لهم وانعتاق من خطيئة الماضي الأليم وأن الإرهاب لا يمكن أن ينتجه شعب حر وديمقراطي وهو نتاج طبيعي للدكتاتوريات والقمع وعنتريات الحكام المرضى بعقدة الكل مُخطئ وفقط هو دائماً على صواب ....حان الوقت الذي نستحق فيه أن ننصف الآخرين قبل أن نطالبهم بإنصافنا، وبعد بسم الله الرحمن الرحيم: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على آلا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون.
د. م حكمت القطاونه- الكرك – الأردن hekmatqat@yahoo.com tel:+962795482538