الفرق بين الوطن والمزرعة

بعض الإعلاميين والصحفيين يلتبس عندهم مفهوم الوطن ومفهوم المزرعة، ربما بسوء نية ولغاية في نفس يعقوب.
فهو يتغنى بالوطن ليل نهار، صباح مساء، ولا يترك زهرة، أو نبع ماء، أو زاوية منسية إلا وتغزل بها كما لو كانت حسناء لم يخلق مثلها في البلاد، فلا شيء عنده مثل دحنون الوطن، وعذب مائه، وصفاء سمائه، ونقاء سريرة أبناء وبناته.
وطالما أنه يحقق مكتسابات مادية ومواقع رسمية وغير رسمية، وطالما أن الدولة ترعاه وتقلبه ذات اليمين وذات الشمال في المناصب، وتغدق عليه الإعطيات والمنح والإعفاءات على قاعدة المسلسلات التاريخية «يا غلام أعطه كيسا من النقود» فالوطن يبقى عنده الأول والأخير، من يرشه بالماء فإن هذا الكاتب (عبر الكلام طبعا) سيرشه بالنار.
ويصبح عنده من يعارض سياسيات الحكومة، أو يطالب بالإصلاح الذي هو أساس خلق الكون، أو يكتب مقالا، أو يدلي بتصريح هنا أو هناك لا يتوافق مع رؤية الحكومة، أو التيار السائد، يصبح خائنا للوطن، وعميلا لقوى خارجية، وشخصا يريد إحداث الفوضى، وأفقادنا الأمن، وبانه يريد تكرار سيناريوهات دول الجوار، ويذهب أبعد من ذلك بأن يطالب بطردهم من الوطن وتجريدهم من جميع حقوقهم المنصوص عليها بالدستور وبالقانون وبالأعراف الدولية.
لكن عندما تغلق الحكومة حنفية الاعطيات أو تقلل بعضا منها، أو تريد تحقيق العدالة والمساواة بينه وبين غيره من خلق الله وأبناء الوطن وبناته، وعندما تطلب منه الدولة تحمل جزء من المسؤولية اتجاه الوطن، أو تطالبه بالاكتفاء بحقوقه فقط وعدم التعدي على حقوق الآخرين أو التوقف عن خرق القانون، وعدم ابتزاز الدولة. عندها تنعكس الآية، وتسود الصورة في نظره، ويتحول الوطن
إلى ناكر للجميل، وإلى مكان طارد للكفاءات وللمواهب وللوطنيين الغيورين عليه، وتصبح الحكومة فاسدة وجاحدة تستحق الشتم بأفظع الأوصاف، ويصبح خيار إسقاطها ضمن خيارات الوطن ومصلحة أبنائه وبناته.
ولا بأس باستحضار جميع المصطلحات الطائفية والإقليمية والعنصرية والآثنية والطبقية والقبلية ضمن معركته (الشخصية، الخاصة، النفعية، المصلحية والآنية) ويذهب بعيدا في «معركة الوطن» التي هي «معركته وحده»، فيحشد لها جميع المتضررين من تقليص الامتيازات والتنفيعات وبعض «الرعاع» والجهال» الذين يعومون على شبر ماء»، ولا بأس بتسريب خبر في هذا الموقع، وخبر في تلك الصحيفة، يغتال فيها جميع الذين تسببوا في»تقنين فساده وسرقته أموال الوطن».
وفي جلساته المغلقة، أو بين أقاربه وخلانه، أو في لحظات «السكر الشديد» أو «التجلي» أو» الخلوة» لا بأس بشتم الوطن بوصفه لا يعرف قيمة أبنائه، فالوطن عنده «في عقله وثقافته وتربيته» مزرعة للعائلة للكريمة وبقرة حلوب، ينبغي ذبحها إذ قل حليبها، وبيعها لمصانع المعلبات لعمل «السنيورة». ولا يتحمل مثل هذا الشخص مسؤولية سلوكه طبعا، فالمتهم الأول والمدان الحقيقي هي الدولة نفسها، والحكومة التي لا تعرف كيف تزن الرجال، ولا تضع المرء في المكان الذي يستحقه، والتي تشجع مثل هؤلاء وتقدمهم على غيرهم. كما إنها تحابيهم وتجاملهم فيتحولون مع الوقت إلى «متمردين ومتنمرين ومراكز قوى».
والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين. فهل الحكومة مؤمنة، أم أنها ستدير خدها الأيمن حتى تستقبل اللطمة رقم مليون؟!