سوريا: ما بعد الانتخابات ليس ما.. قبلها!

اليوم.. ليس امام المجموعات المُسلحة في سوريا، سوى سفك المزيد من الدم وارهاب الناخبين الذين سيذهبون الى مراكز الاقتراع لانتخاب رئيس جديد للبلاد او التجديد للرئيس الاسد لعهدة ثالثة تمتد لسبع سنوات. عدا التصعيد العسكري واطلاق الهاونات والصواريخ عشوائياً بهدف منع الناس من ممارسة حقهم الانتخابي، محمولاً بالطبع على بيانات تخيف السوريين وتدعوهم للبقاء في بيوتهم، فإن المتمردين وجموع الارهابيين لا يملكون القدرة او الفاعلية على شطب هذا الاستحقاق من جدول الاعمال السوري او دفع السلطات الى تأجيله او الغائه.

سنسمع ونشاهد الكثير من الاقوال والتصريحات والتحليلات التي ترطن بالشرعية وتنزع عن النظام القائم حقه في تنظيم انتخابات رئاسية في موعدها، ولن يتردد قادة العالم الحر (الذين اعتبروا النظام الانقلابي في اوكرانيا نظاماً شرعياً وسارعوا الى تهنئة ملك الشوكولاتة، الذي فاز في انتخابات 25 ايار الماضي، فيما الجيش الاوكراني يقصف مناطق شرق وجنوب البلاد، بالمدافع الثقيلة والطائرات الحربية والمروحية)، في وصف انتخابات الثالث من حزيران 2014 السوريّة، بانها مهزلة او مسرحية سخيفة وغيرها من الالفاظ والمصطلحات المتهافتة والدالة - في جملة ما تدل عليه - على عجز وانعدام قدرة على تغيير مسار الاحداث، والتحكم في الاوضاع الميدانية، بعد ان بذلوا كل ما يتوفرون عليه من اموال ومعدات واعلام فتنوي، لا يكتفي بقلب الحقائق بل يقوم بفبركة الاخبار والوقائع واستجلاب مرتزقة وتمويل انشقاقات وصفقات اسلحة وعربدة، وتدريب الارهابيين وقتلة جوالين، وخصوصاً انهم بكّروا كثيراً في نعي النظام وراحوا يحددون الايام ويرسمون «خريطة الطريق» لسوريا الجديدة (التي في كل الاحوال لن تكون سوريا التي نعرفها بل سوريا المُجزأة والمُقسّمة الى امارات وكانتونات، وفق أسس طائفية ومذهبية وعرقية) على نحو يتم فيه رسم خرائط جديدة للمنطقة يمكن ان تدين بكل شيء وان ترطن بكل اللغات، التي تريد، لكنها لن تكون ذات هوية قومية عربية في كل الاحوال، ولن يعود لهذه «الرابطة» أي صلة بسكانها أو جغرافيتها الجديدة, حيث لم يخجل بعض «الثوار» من مُخلّفات مجلس اسطنبول وإئتلاف الجربا وفصائل ومنظمات وكتائب, من التنصل من فكرة «العروبة» ودعوة «الغرب» الى «الانسجام» مع مبادئه وشعاراته وان يُسقط النظام وبعدها له ما يريد, حتى ان دعوة ثائر عظيم وليبرالي مبجّل ومدافع عن الحرية وحقوق الانسان اسمه كمال اللبواني لم يتردد في عرض مقايضة على اسرائيل (الجارة وغير العدوة كما وصفها) تقوم فيه دولة العدو باسقاط النظام السوري مقابل تخلي «الثوار» عن الجولان وتحويله الى حدائق ومنتجعات سلام وحسن جوار.

ما علينا..

يراهن كثيرون على هذا اليوم, والرهانات هذه متعددة وخصوصاً متضاربة, فمن اصحابها مَنْ سيُركّز على نسبة الذاهبين الى صناديق الاقتراع، ومنهم من ينتظر ما سيأتي به المسلحون والارهابيون من أعمال «تدمي» النظام وتحرجه, وتجعل من الانتخابات ذكرى مأساوية بارتفاع عدد الضحايا ومقدار الدم الذي يسفك.. وغير هؤلاء من يراقب عن كثب في المنطقة وفي عواصم الغرب المتنور والديمقراطي والمدافع عن الحريات وحقوق الانسان, ستنطلق ماكينة الاعلام الرهيبة، مُركّزة على التزوير وتدخلات حزب البعث و»ميليشيات» حزب الله والاحزاب الدائرة في فلك النظام.

هالهم بالطبع ما شاهدوه في بيروت وعواصم، عربية وغير عربية، من مشاركة فاعلة ولافتة للسوريين في الاقتراع لدى سفارات بلادهم, على نحو بدا وكأن رأس النظام الذي وصفوه بأنه معزول ومكروه وطائفي, يتوفر على شعبية لا يُستهان بها, ما يزيد من الثقة بأنه غير «مرشح» للخروج من القصر الرئاسي في أي اختبار ديمقراطي, اللهم الا اذا تم «تدبير» انقلاب عسكري أو «شراء» شخصية من الدائرة الضيقة واللصيقة لتقود انقلاباً من داخل القصر.

اين من هنا؟

صحيح ان الميدان هو الذي سيحسم، إلاّ انه صحيح ايضاً، ان سوريا بعد الثالث من حزيران، تَعْبُر مرحلة جديدة يصعب على الخارج، المتواطئ منه او الصامت او المنخرط التعاطي معها وفق معادلات قديمة اثبتت فشلها طوال ثلاث سنوات، وليس من سبيل سوى ان يرفع الجميع أيديهم عن سوريا ويتركوا للسوريين وحدهم ان يختاروا الطريق والنظام والرئيس الذي يريدونه، أما عدا ذلك فاستمرار للحريق ومزيد من الدماء والثكالى والدمار والخراب.