الإعلام الرسمي والنشاط السياسي في الأردن
كان يوم الجمعة متميزا في المشهد السياسي والشعبي الأردني ، فقد جابت مسيرات القوى السياسية المطالبة بالإصلاح عدة مناطق في المملكة بخاصة في العاصمة عمان بطريقة حضارية ونموذجية لا نشهدها في العادة إلا في الدول ذات التقاليد العريقة في الديمقراطية واحترام الرأي الآخر. هذه الصورة المتألقة لم تنعكس للأسف بالشكل الصحيح في الإعلام العربي والمحلي ولم تصل إلى الرأي العام داخل وخارج الأردن وأظهرت أن هنالك الكثير من القرارات الجريئة التي يجب اتخاذها من أجل تحرير الإعلام الرسمي الأردني من قيود التردد.
التلفزيون الأردني كان قاصرا عن مواكبة الحدث ، وبقيت سياساته كالعادة متأخرة كثيرا عن مدى التقدم في المناخ الديمقراطي الأردني وكذلك الكفاءات البشرية الموجودة سواء في قيادة المؤسسة أو في الكوادر الفنية وهي كفاءات تنتظر إشارة الانطلاق لتحقيق ذاتها والأهم من ذلك عكس الصورة المتميزة للحراك السياسي الأردني حاليا. لم يكن من المقبول مهنيا أن يستنكف التلفزيون الأردني عن تغطية مسيرة يوم الجمعة حيث شهدت الشاشة الأردنية اثناء المسيرة عرضا لمسلسل مصري قديم ثم برنامجا حواريا عن مشاكل الشخير اثناء النوم (قد يبدو مناسبا للحدث،) وبعد ذلك برامج أخرى بعيدة تماما عن الهم الداخلي. كان يمكن وبكل بساطة أن يتم نقل المسيرة في بث حي ومباشر ليشاهدها كافة الأردنيين والعرب المهتمين ويتم إجراء حوارات في استديو مفتوح وكذلك حوارات مع المشاركين فالجميع كان متميزا بروح المسؤولية العالية ولكن يبدو أن التخوف غير المبرر هو الذي منع مثل هذه التغطية التي كانت ستشكل نقلة نوعية في أداء ومهنية التلفزيون الأردني حتى وإن كان يمثل تلفزيونا حكوميا ، لأن مستوى الخطاب الإعلامي الرسمي حاليا في غاية المهنية ويجب أن يمتد ليشمل خطاب التلفزيون الأردني.
بالنسبة للمواطنين الأردنيين كان الإنترنت هو المصدر الأفضل للأخبار حول المسيرة ، لأن القنوات الفضائية العربية تعاملت ايضا بلامبالاة مع الحدث فالتركيز كان على الأحداث الساخنة في ليبيا والعراق واليمن. وحتى قناة الجزيرة بدأت بتغطية مباشرة وبعد أن تبين لها عدم وجود فرصة لأحداث شغب أو انفلات أمني توقفت التغطية وعاد التركيز على العواصم المشتعلة لأنه وبالنسبة للقنوات غير الأردنية لا يوجد ما يثير الاهتمام في مسيرة عربية حضارية ونجاح الحكومة والمعارضة في الالتزام بالمبادئ السلمية واحترام الرأي الآخر فالمطلوب هو الإثارة فقط كما كان في تغطية مسيرة الجمعة السابقة والتي انتشرت في كافة وسائل الإعلام العربية والدولية انطلاقا من "هجوم بلطجية الحكومة على المتظاهرين" كما كان الوصف الإعلامي،
لا يمكن أن يبقى الإعلام الرسمي بهذه الوتيرة البطيئة وغير المقنعة. الأردن يستحق أفضل من ذلك بكثير لأن حجم الإحساس بالمسؤولية الوطنية لدى القوى السياسية الأردنية عال جدا ومن النادر وجود اصوات مسيئة للأردن يمكن أن تخشى منها إدارات الإعلام الرسمي ، كما أن المغترب الأردني من حقه الحصول على أخبار بلاده بطريقة صحيحة وشفافة ومن خلال التلفزيون ووسائل الإعلام الرسمية والمستقلة معا ولا يكون رهينا للقنوات ووسائل الإعلام الخارجية والتي قد لا تعكس حقيقة الأوضاع حتى في حال التزمت بالمهنية ولم تكن تعمل ضمن برنامج مسبق لنشر الأخبار المغلوطة.
يمر الأردن في مرحلة بالغة النشاط والتسارع في الشأنين السياسي والاقتصادي وهنالك ضرورة ماسة لأن يواكب الإعلام الرسمي هذا التسارع ويكون شريكا حقيقيا فيه وأن يتم إطلاق الطاقات الكامنة في المؤسسات الإعلامية الرسمية ولا مجال بعد الآن للتردد حتى لا يفقد الرأي العام الأردني ما تبقى من ثقة في الإعلام الرسمي.