يجب أن نبقى معاً



منذ زمن، لم نسمع هذا الكلام، منذ رحيل عبد الناصر وحافظ الأسد وصدام حسين، منذ فشل التيار القومي، وهو في سدة الحكم، في ثلاثة عواصم عربية، لتحقيق إنجازات، ثلاثتهم رحلوا وبلادهم محتلة جزئياً أو كلياً، واقتصادهم ضعيف، ولا يتوفر لديهم الحد الأدنى من الديمقراطية والتعددية والرأي الآخر، وتغيب عن مؤسساتهم مقومات الحد الأدنى لمصداقية صناديق الاقتراع، أو خيارها أو لنتائجها، وغياب إنجازاتهم يعود لعاملين أولهما حجم المؤامرات الداخلية والخارجية ضدهم، التي استنزفت جهدهم ووقتهم، وثانيهما غياب البرنامج الديمقراطي التعددي لديهم، وعدم الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، وبقاء أنظمتهم أسرى للرجل الواحد.
ومع ذلك، ورغم الفشل، فقد سجل هؤلاء رغبة وانحيازاً للمفاهيم القومية، وخاضوا معارك شجاعة وباسلة ضد عدوهم الوطني والقومي، في نفس الوقت، سواء ضد المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، أو ضد السياسات الأميركية، وحلفائها في العالم العربي، ولكن، مع الأسف، منذ رحيلهم، لم يعد للمفاهيم القومية أو لمفرداتها تداولاً وشيوعاً.
ومن هنا قيمة ما قاله مرشح رئاسة الجمهورية المصري المشير عبد الفتاح السيسي قبل إجراء الانتخابات الرئاسية بأيام، بقوله : "يجب أن نبقى معاً" و "أمننا القومي مرتبط مع بعضه البعض" ولذلك سأعمل على "حل قضايا مصر" مثلما سأعمل على "حل قضايانا كعرب"، وسواء فعل ذلك، أو لم يفعل، وسواء نجح في ذلك، أو تم إفشاله كما أفشلوا عبد الناصر وصدام حسين وحافظ الأسد، ولكن قيمة كلام السيسي أن يقوله، وأن يعممه، وأن يصبح هو السائد، في إعلامنا، وفي ثقافتنا، وفي يومياتنا، وفي تطلعاتنا وطموحاتنا، كعرب، ترتبط مصالحنا مع بعضنا البعض، لا أن نتآمر على بعضنا، لمصلحة العدو القومي الإسرائيلي، الذي يحتل أراضي ثلاثة بلدان عربية، وتطاول واعتدى بشكل مباشر على غالبية البلدان العربية وسيادتها، أو من خلال خدمة المصالح الأميركية، التي احتلت العراق، وخربته ومزقته وأسقطت نظامه الوطني القومي، وكما فعلوا ذلك مع ليبيا، ويفعلون اليوم مع سورية، وقبلها الصومال ومع اليمن.
لقد نجح الأوربيون في وضع أرضية من المصالح السياسية والاقتصادية التي تجمعهم، في مؤسسات وسوق واحدة، بعد حروب وصراعات وتمزق، ولكنهم أفلحوا بعد أن أدركوا أن فُرقتهم مدمرة لشعوبهم، بينما نحن ما نزال أسرى للتمزق، والجهوية، والتنافر والصراعات البينية، الدينية والقومية والطائفية.
لم تكن كامب ديفيد، مجرد اتفاق ثنائي بين المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، مع الدولة المصرية، بل هو نهج وسياسة نقيضة، للمصالح والاعتبارات والمشاعر الوطنية والقومية لكل العرب، فلا كرامة لمصري بدون العرب، ولا قوة للعرب بدون مصر والعراق وسورية والجزائر والمغرب، ولا تحرير لفلسطين، ولحق شعبها في العودة والاستقلال بدون سند عربي ورافعة قومية، تلك حقائق السياسة والواقع والمعطيات، وليس مجرد رغبات ذاتية، بل هي حصيلة التجربة، والوقائع الحسية التي صنعتها الحياة خلال عشرات السنين.
أمام تحديات مصر المستقبلية، بعد الانتخابات الرئاسية يجب استكمال الخطوات الدستورية بإجراء الانتخابات البرلمانية، والعمل على حل مشاكل مصر الداخلية المجسدة بالأولويات وأولها إنهاء حالة الإرهاب والاغتيالات والتفجيرات العمياء، بالمعالجة الأمنية، وثانيها حل مشكلة الإخوان المسلمين، وإزالة التصادم معهم، عبر المعالجة السياسية الأمنية، وثالثها معالجة الوضع الاقتصادي الصعب وتوفير متطلبات الحياة الكريمة في العلاج والتعليم والسكن وفرص العمل، ويبقى التحدي الخامس المتمثل بإنهاء كامب ديفيد، والتحرر من قيود التبعية الاقتصادية، والتخلص من شروط المساعدات المالية والعسكرية الأميركية للدولة المصرية، هذه هي معادلة أن تكون مصر حرة مستقلة تقود أمتها العربية، نحو المستقبل والتقدم والعصرنة، وهذه هي تطبيقات الرئيس السيسي المطلوبة، إذا كان جاداً حقاً فيما قال قبل الانتخابات: يجب أن نبقى معاً، ومصالحنا الوطنية والقومية مترابطة، وسأعمل على حل مشاكل مصر، كمقدمة لحل مشاكل العرب وبهم ومعهم.
h.faraneh@yahoo.com