سوريا الكرامة والشعب العنيد


حالة فريدة من نوعها تتميز بها سوريا ، فرغم شراسة المؤامرة التي تعيشها منذ اكثر من ثلاث سنوات ، ورغم ضراوة الحرب التي يشنها الحلف الدولي المعادي ، وعلى راسه امريكا ودول حلف الاطلسي ، وبيادقهم في قطر والسعودية وتركيا ، وبيادق بيادقهم من عصابات الاجرام ، القادمة من 83 دولة ، رغم كل ذلك ، لم تعلن سوريا حالة الطواريء ، وما يتبعها من تعطيل الدستور والقوانين والحياة النيابية والحزبية ، بل استمرت الحياة طبيعية ، فما زال الشعب العربي السوري يعيش حياته كالمعتاد ، الا في بعض المناطق والقرى والاحياء ، التي استطاع التسلل اليها الاجرام الوهابي الاخواني .

ورغم شراسة الهجمة المعادية ، لم يرتدي الرئيس بشار الاسد البزة العسكرية ، كمؤشر على حكم عسكري ، لو اعلن لكانت له كل المبررات ، بل اراد القائد الاسد من ذلك ، ان يؤكد ان تلك الفيروسات مهزومة لا محالة ، ولا تستحق ان نقلب حياتنا راسا على عقب من اجلها ، فانتخابات مجلس الشعب جرت في موعدها المحدد ، في ايار من عام 2012 ، وها هي الانتخابات الرئاسية ، ستجري ايضا في موعدها المحدد ، في الثالث من حزيران القادم ، وبالامس كانت الانتخابات في السفارات السورية في الخارج ، للمغتربين واللاجئين السورين ، في الدول العربية والعالم اجمع ، مقياسا حقيقيا لالتفاف الشعب حول دولته الوطنية ، وقيادته الشامخة ، وجيشه المنتصر ، حيث انطلق عشرات الالوف منذ الصباح ، نساءا ورجالا ، شيبا وشبابا ، مرضى وعجزة واصحاء ، يصطفون في طوابير طويلة ، تحت اشعة الشمس ، ينتظرون دورهم بكل حماس ، لاختيار قائدا لمسيرة سوريا الجديدة ، حشودا اذهلت اعداء السورية ، ممن ظنوا ان اللاجئين السوريين بعد معاناة اللجوء ، قد زادوا كفرا بدولتهم ، فاذا النتيجة عكسية ، نزلت عليهم كالصاعقة ، جعلت بعضهم يدعوا لاعادة النظر بتواجدهم في اراضيهم ، لانهم توهموا ان هولاء ، سوف يكونون احتياطيا لبيادق بيادق الاعداء ، فاذا بهم جنود الدولة السورية الاوفياء .

لقد شهدت جزءا من هذا الحشد لالاف السوريين ، وشهد ذلك كل الاردنيين ، امام السفارة السورية في عمان ، حشودا امتدت طوابير طويلة ، بكل صبر واناة ، عجزة على كراسي متحركة ، ازدحامات في الطرق المؤدية للسفارات ، اعلام الدولة السورية خافقة في الايدي وعلى الاكتاف ، صور القائد الاسد مرفوعة فوق الهامات ، وقد حاولت بعض الحشرات ، ممن حشدتهم فضائية الجزيرة القطرية ، في محيط السفارة لتصويرهم ، التشويش على ذلك المهرجان الشعبي ، فكان نصيبهم الطرد .

لقد كانت تلك المرحلة الاولية من الانتخابات ، هي نتيجة حقيقية مسبقة ، للانتخابات القادمة داخل سوريا بعد ايام ، فهولاء المواطنون السوريون ، لن يستطيع احد ان يشكك بمصداقيتهم ، او يدعي تزوير ارادتهم او ارهابهم من اجل المشاركة ، فهم خارج سوريا ، وهنا كان مقتل اعداء سوريا ، وانا هنا لا الوم الدول التي ناصبت سوريا العداء ، حين منعت مشاركة السوريين على اراضيها بالانتخابات ، لانها كنت تعرف النتيجة سلفا .

لقد كات الانتخابات خارج سوريا ، تعبيرا واضحا عن رفض السوريين ، لدعوات الاعداء والعملاء بتاجيل الانتخابات ، وتعطيل الحياة الدستورية ، او فرض حكومة عميلة انتقالية ، لقد اراد القتلة المجرمون ، ومن يقف ورائهم ، ان يحطموا معنويات الشعب العربي السوري ، وان يجعلوا حياته جحيما لا يطاق ، وان يقتلوا في هذا الشعب الجبار ارادة الحياة ، وروح التحدي والمقاومة ، فرغم كل جرائمهم وحقدهم الاسود ، ما زال الشعب العربي السوري ، يعيش حياته كما يريد ، وما زالت عجلة اقتصاده تدور ، رغم تدمير المعامل ، وسرقتها من قبل العثمانيين الجدد، وما زالت البضائع المصنوعة في سوريا ، تتدفق على اقطار الجوار ، وهذا ما شهدته في عمان ، حيث عرضت علي الاسبوع الماضي ، وفي احد محلات بيع الملابس ، بضاعة صنعت في سوريا ، تم استيرادها حديثا .

هذا هو التحدي البطولي ، الذي يقهر البيادق وبيادق البيادق ، واسيادهم واسياد اسيادهم ، انه التحدي الذي تصنعه الكبرياء ، تحد تصنعه الكرامة ، فسوريا مرفوعة الراس دوما ، وشعبها فخر العرب ، صمودا وتحديا وعشقا للحياة ، شعب منتج ، شعب محصن ضد كل اشكال الحصار المعادي ، شعب ياكل مما يزرع ، ويلبس مما يصنع ، شعب اشبع جياع العرب من فائض انتاجه ، وكسا عريهم ، وغطى عورتهم ، قبل ان تتولى الصين المهمة ، شعب المديونية صفر ، شعب انجب جيشا ، استنبط للعالم علوما عسكرية جديدة ، واذهل الخبراء العسكريين في دول عظمى ، بوحدته وتلاحمه وتضحياته وبطولاته وانتصاراته ، وما كان كل ذلك ليحدث ، لولا قيادة شجاعة ، اذهلت العالم بصمودها وحنكتها وشجاعتها ، جست نبض شعبها بدقة ، وتناغمت مع هذا النبض ، فاستمدت من هذا التناغم قوة ، مرغت بها انف امريكا وحلفائها بالتراب ، فاحبطت المؤامرة ، وتهاوت رؤوس المتامرين والبيادق ، وما زال راس الاسد شامخا يطاول السحاب ، وسيظل الاقزام اقزاما ، والعمالقة عمالقة .

ارادة الصمود ، وارادة الحياة ، اللتان تجتمعان في سوريا اليوم ، تذكرنا بحرب تشرين التحريرية ، حين كانت الحياة تسير على طبيعتها ، الافران وامامها اكوام اكياس الطحين ، لطمأنة الناس بوجود الخبز ، المقاهي ودور السينما مشرعة ابوابها لمن شاء الحضور ، فلا مانع يقف في وجه شعب ، اعتاد مقارعة الاعداء ، والكفاح في وجه صعاب الحياة ، ان يعيش حياته الطبيعية ، انه التحدي ، انه منسوب الكرامة العالي ، انه الكبرياء .

ارادوا اسقاط النظام الوطني القومي التقدمي في سوريا ، وازاحة قائد نضال سوريا الوطني ، وقائد نضال الامة القومي ، القائد المناضل بشار الاسد ، فخابت ظنونهم ، وتبخرت احلامهم ، فما زال القائد هو حادي الركب وسيظل ، بارادة الشعب العربي السوري ، الذي يلتف حول قيادته ويشاركها التحدي ، بممارسة الحياة الطبيعية ، وبكامل استحقاقاتها ، وهذا ما يغيظ الاعداء ومن يقف ورائهم ، فحادي الركب شامخ في ذرى قاسيون ، والوطن يمضي بمسيرة سحق الاعداء والمتامرين ، والهاوية بانتظارهم ، ومسيرة القائد والشعب ، لن يعيقها نباح الكلاب مهما علا ، وخسئوا ان ينالوا منك سوريا .
مالك نصراوين

m_nasrawin@yahoo.com
30/05/2014