السفير السوري لم يسيء الى الاردن

أخبار البلد - مالك نصراوين
القرار الذي اتخذته وزارة الخارجية الاردنية ، بابعاد السفير العربي السوري في الاردن ، اللواء الدكتور بهجت سليمان ، يثير الشك والريبة ، حول هذا القرار المفاجيء ، وفي هذا التوقيت بالذات ، والذي لم يقنع احدا بمبرراته ، وهو يسيء الى القطر الشقيق الجار ، الاقرب الى قلوب الاردنيين ، في وقت كان يفترض فيه ، ان نقف مع سوريا ، حتى تتجاوز محنتها ، وتحقق الانتصار الشامل ، على عصابات الاجرام والقتل والتدمير، والتي لن يسلم الاردن من اجرامها ، لو كتب لها النجاح في سوريا . 
الدكتور بهجت سليمان ، ضابط قدير ، تقاعد من الجيش العربي السوري برتبة لواء ، شارك في اكبر المعارك التي خاضها الجيش العربي السوري ، في حرب تشرين التحريرية عام 1973 ، وفي التصدي للغزو الصهيوني للبنان عام 1982 ، والذي قدم فيه الجيش العربي السوري خمسة الاف شهيد ، وتراس اكبر الاجهزة الامنية حساسية في سوريا ، وهو جهاز امن الدولة ، وبالتالي فهو من المطلعين على خفايا امور كثيرة ، في سوريا والمنطقة ، ويحمل شهادة الدكتوراه في الاقتصاد السياسي . 
لقد كنت احد المتابعين لمعظم ما كان يكتب السفير ، طيلة اخر عامين ونصف ، من بدء التامر على سوريا ، واطلعت على كتاباته من احد المواقع الاردنية ، التي كان ينشرها باستمرار ، وامضيت ما يقارب العام او اقل ، اتابع كتاباته دون ان اعرف شخصيته الحقيقية ، ولا اذكر من طلب صداقة الاخر فينا ، حيث كان يكتب بعنوان "خاطرة ابو المجد" ، ولم تكن تهمني كثيرا الاسماء الحقيقية لمن يكتبون عن حقيقة المؤامرة ، كلاما مقنعا ومنطقيا ، فلدي عدة اصدقاء باسماء غير حقيقية ، لكنني التقي معهم في المواقف ، فقد تابعت وبشغف لفترة طويلة ، كتابات تحت اسم "نارام سرجون" ، دون ان اعرف حتى الان من هو بالضبط ، اما سعادة السفير ابو المجد ، فقد اتيحت لي الفرصة لمعرفة هويته لاحقا ، من خلال تعليق لاحد الاصدقاء على الفيس بوك ، اشار فيه الى اسمه الحقيقي ، وبالطبع تغير اهتمامي بما يكتب ، بخلاف ما كان قبل ذلك ، فقد اصبحت اقرأ لرجل دولة له تاريخه ومكانته ، ولا ينطق عن هوى . 
رغم كل الاخبار التي كانت تتوارد عن دور اردني ضد سوريا ، بتسهيل عبور المسلحين واسلحتهم ، وعن غرف عمليات مشتركة تقام في الاردن لتنسيق الهجمات ضد سوريا ، مع قطر والسعودية وتركيا وامريكا واسرائيل ، وعن اموال تتدفق ، وتدريبات تتم على الارض الاردنية ، وتتناقل تلك الاخبار مواقع خبارية عديدة ، ووكالات انباء عالمية ، ورغم عدم كفاية الاجراءات التي كانت تتخذ ضد المتطوعين الاردنيين الاصوليين ومن يجندهم ، ورغم فتح الباب للجوء غير المبرر ، الذي كان يصنف ضمن بند صناعة اللجوء ، بهدف الاساءة الى سوريا ، ورغم الانباء عن العديد من الهجمات التي كانت تاتي من الاردن ، فان السفير العربي السوري ، الدكتور بهجت سليمان ، لم ياخذ من كل هذه الاخبار مبررا للهجوم على الاردن ، وان اشار اليها احيانا ، بل كان يتحدث عن الاردن بكل الود ، والخشية عليه من هذه العصابات ، كخطر على الاردن ، وادوات لتنفيذ مؤامرات ضد الاردن ، ولعل اكبر تلك المؤامرات ، هي مؤامرة الوطن البديل ، لا بل كان احيانا ، يوحي ببعض التبرير لمواقف الاردن الضبابية ، كنتيجة لحجم الضغوط الاقتصادية التي كان يعاني منها ، والتي استغلتها بعض اطراف التامر لابتزاز الاردن ، بالضغط عليه للقبول بالمشاركة بالهجمات الارهابية على سوريا ، مقابل مساعدته اقتصاديا . 
لقد اقتصرت كتابات سعادة السغير العربي السوري ، على اطراف المؤامرة الرئيسيين ، الذين كانوا يرسلون العصابات الاجرامية الى سوريا ، يمدونها بالسلاح والاموال والدعم الاعلامي ، والتي لم تقتصر حربها على سوريا في هذه المجالات فقط ، بل سعت صراحة وعلانية ، الى ابعاد سوريا عن الجامعة العربية ، وسحب سفرائها من دمشق ، والسعي لدى مجلس الامن الدولي ، لاصدار قرارات تبيح التدخل العسكري الاجنبي ، لتدمير سوريا ، واصبح هدفها المعلن بكل وقاحة ، هو اسقاط نظام الحكم في سوريا ، وهذا يشكل سابقة عربية خطيرة ، ان تتامر دول عربية على دولة شقيقة ، وتثير فيها الفتن ، وتساعد على ارتكاب الجرائم بحقها ، والاردن معروف طوال عقود من تاريخه ، بانه وسطي المواقف ، كان يسعى الى تعزيز الاخوة العربية ، والى الاجماع العربي ، وبانه اكثر من عانى ، من التدخلات العربية في شؤونه . 
ما تطرق اليه السفير فقط ، هو التصدي والرد على كتاب وصحفيين ونوابا اردنيين ، جاهروا بعدائهم لسوريا ، ودعم عصابات القتل والاجرام ، والتحريض على ارتكاب الجرائم ، وعلى اسقاط نظام الحكم فيها ، وكأن مهمتنا في الاردن ، اصبحت تصدير الثورة الى الاقطار الشقيقة لمجاورة ، هل نسينا كيف ساندنا العراق في حربه ضد ايران ، لان ايران كانت تسعى لزعزعة استقرار العراق ودول الخليج ، بتصدير الثورة الايرانية له ، فكيف نبرر للعراق حربه على ايران لذلك السبب ، ونقف الى جانبه في تلك الحرب ، ولا نقف مع دولة شقيقة جارة ، تتعرض لعدوان وغزو همجي من برابرة القرن الحادي والعشرين ، القادمين بمئات الالوف من 83 دولة بحجة الجهاد في سوريا ، وباب الجهاد الاولى هو فلسطين ، المحتلة منذ 68 عاما 
هل نسينا كيف ثارت ثائرة الاردنيين ، عندما استضاف فيصل القاسم ، في فضائية الجزيرة القطرية ، شخصية معادية للاردن ، هاجمت الملك ونظام الحكم ، وكيف ثارات ثائرتنا ، ضد النائب الكويتي محمد البراك ، عندما هاجم الاردن ، وكيف ثارت ثائرتنا ضد مصر ، لعدم قيامها بما يكفي ، لحماية الشهيد وصفي التل ، وكيف وقفنا بحزم ضد دول عربية ساندت الفوضى في الاردن قبل عقود مضت ، وكيف منعنا اي عمليات عسكرية ضد اسرائيل ، من داخل الاردن ، حتى لا تكون مبررا لردود اسرائيلية تؤذي الاردن ، وكيف عاملتنا الكويت ودول الخليج ، عندما ايدنا العراق في غزو الكويت ، الم يتدخل سفراء عرب واجانب في الاردن ، ضد مقال هنا او هناك ، او تصريح من شخص خارج موقع المسؤولية ، كما حدث مع وزير الخارجية الاسبق كامل ابو جابر ، من قبل سفير اسرائيل ، بسبب اشارة الوزير لمعلومة تاريخية تشكك بجرائم النازية ، فرغم ان كل هذه الاحداث لا تعادل شيئا ، امام ما يجري ضد سوريا من العرب منذ اكثر من ثلاث سنوات ، شحن مئات الالوف من المسلحين ، ودعمها بمئات المليارات تسليحا وامدادا واعلاما ، ارتكبت في سوريا وما زالت ، ابشع جرائم القتل والاغتصاب والاختطاف وقطع رؤوس ، واكل قلوب واكباد البشر ، ثم نطلب من السفير السوري ان يلتزم الصمت ، ولا يدافع عن بلده ضد من ارتكبوا الفظائع به ، ومن يحرضون عليه ، باسم الحرية والديمقراطية والثورة ، ومن اطراف تنعدم في دولها ابسط مباديء الديمقراطية والحرية ، وكيف نتهمه بالاساء الى دول عربية ومجاورة كالسعودية وقطر ، ونحن سبق لنا ان عانينا من هذه الدول ، ابان غزو الكويت ، ومن فضائية الجزيرة القطرية ، وهل كانت هذه الدول ملائكة ، الم تجاهر بعدائها لسوريا ، ورغبتها في اسقاط نظامها ، ودعمها للعصابات بالمسلحين والاسلحة والاعلام والدبلوماسية ، على المستوى لعربي والدولي ، هل يقبل الاردن ان تدعم هذه الدول ، اي حركة تمرد مسلح داخل الاردن . 
هذا السفير المخلص لوطنه ، كان بامكانه ان يقبض الملايين وينشق عن حكومة بلاده ، كما فعل قبله عبدالحليم خدام ، وكما فعل رئيس الوزراء السابق رياض حجاب ، الذي استقبلناه في الاردن بعد الانشقاق ، وكيف قابله وزير خارجيتنا عدة مرات ، وكما فعل قلة من سفراء سوريا من ضعاف النفوس ، وعبدة المال وهواة بيع الاوطان ، وهم لا يمثلون على الارض السورية شيئا . 
هل نسينا كيف كان يصنف الاردن ، قبل عهد الرئيس الراحل حافظ الاسد ، كنظام رجعي عميل ، يجب اسقاطه ، وكيف اصبح الحال بعد ان رفع الرئيس حافظ الاسد شعار التضامن العربي ، ومد يده لكل الاشقاء وبالاخص الاردن ، فكانت الوحدة السورية الاردنية في منتصف السبعينات ، نموذجا لكل الاقطار العربية ، عاش خلال سنواتها شعبنا شهر عسل طويل ، لولا مؤامرة السبعينات التي نفذها الاخوان المسلمون ، وهل نسينا كيف امدتنا سوريا الشقيقة بمياه الشرب صيفا ، في الوقت الذي ارسلت لنا فيه اسرائيل ، وفق اتفاقية وادي عربة مياها ملوثة ، لقد كانت سوريا دائما سندنا القوي في اوقات الملمات ، فهل نكافئها بطرد سفيرها لانه يدافع عن بلده ، الا ليت كل سفراءنا كالدكتور بهجت سليمان ، يدافعون عن الاردن بحماسته . 
ثم لماذا الان يبعد السفير السوري ، ولم يتغير شيئا على كتاباته المعتادة ، وقبل يومين فقط من اجراء الانتخابات الرئاسية للسوريين في الاردن ، واسبوع من الانتخابات ذاتها في سوريا ، ولماذا يحدث هذا في الربع الساعة الاخيرة من تحقيق النصر النهائي ، على المرتزقة وعصابات القتل والاجرام في سوريا ، وفي ظل تسرب الانباء الصحفية المغرضة عن خطط عسكرية لغزو سوريا من الاردن ، ترافقت مع بداية مناورات الاسد المتاهب ، ولماذا لم نحسب حسابا لكل هذه التحليلات ؟ 
ان ابعاد السفير العربي السوري ، في الوقت الذي يسرح فيه ويمرح سفير العدو الاسرائيلي في عمان ، يعد تناقضا غريبا ، خاصة بعد اغتيال القاضي الاردني رائد زعيتر ، وبعد ان اصدر مجلس النواب الاردني قرارا بالاجماع ، بطرد السفير الاسرائيلي ، الذي رفضت الحكومة تنفيذه ، بحجة انه بمثابة اعلان حرب على اسرائيل ، اذا كان الامر كذلك ، فكيف نعلن الحرب على سوريا الشقيقة ، وهي تواجه حربا كونية عدوانية لم يعرف التاريخ مثل قذارتها ؟ 
ان هذا القرار خطأ جسيم ، ضد شقيقتنا الجارة الغالية على قلوبنا ، وان الحكومة الاردنية ، باتخاذها مثل هذا القرار الخاطيء المتجني على سفير قطر شقيق ، تتحمل مسؤولية ما يترتب عليه من تبعات ، اما الشعب الاردني ، وبقواه الوطنية والقومية وكل الواعين المخلصين من ابنائه ، فستبقى سوريا مهوى افئدته ، وانتصارها على المؤامرة الكونية بادواتها العربية اجمل امانيه ، وسيظل يحتفظ للسفير العربي السوري الاصيل ، اللواء الدكتور بهجت سليمان ، بكل مشاعر المحبة والاحترام والتقدير . 

مالك نصراوين 
m_nasrawin@yahoo.com 
27/05/2014