قانون الأحزاب والسطوة الأمنية

هذا هو حالنا، كما وصف الوضع لدينا كاتب مميز... دولة(أمنية ) بامتياز، فلا طير طار وسعى في مناكب هذه الأرض، ولا همسة هُمست بإذن فلان وعلتان، ولا قانون صدر، إلا وقد عرج على أحد مكاتب وخلايا الاجهزة الامنية لدينا، ليُمحّص ويُفحص ويُقلّب، ومن ثم ليأخذ بعدها الموافقة والمباركة، ثم يصرح في النهاية لفلان الفلان بالإعلان الرسمي عنه، ليضاف في نهاية المطاف إلى قائمة الإنجازات، كالتي تحدث عنها رئيس الحكومة مؤخراً.... بصدور قانون أحزاب عصري وديمقراطي، وهو الثالث من نوعه خلال عقد من الزمن فقط، وكان كل قانون يصدر حينها، يُوصف بالعصري والديمقراطي ؟!
في الحقيقة انا لا أتكهن بمصير محتوم بالفشل لقانون الأحزاب، بل على العكس من ذلك، أتمنى أن أرى قانون أحزاب يمهد لتنمية حزبية حقيقية واستقرار سياسي طويـل الأمد، فما كتبت وسعيت حوله لشاهد على ذلك، علاوة على تجربة شخصية خضناها، لم تأت من سمع أو عن قراءة لتجربة الآخرين.
لا أدري، كيف سيعالج قانون الأحزاب الجديد، الذي أقره مجلس الوزراء الأسبوع الماضي، مسألة منع التدخل الأمني في إجراءات تأسيس الأحزاب ؟ أو مسألة معالجة العرف السلبي المانع للعمل الحزبي، الذي يأخذ حُكماً أقوى من قانون الإباحة نفسه ؟
فإنتقال مرجعية تأسيس الأحزاب من وزارة الداخلية إلى وزارة التنمية السياسية أفضل وقعاً على مسامعنا، وإن كانت كلتا الجهتين مرتبطتين بخط فاكس وبريد إلكتروني مع دائرة المخابرات، إلا انها خطوة جيدة نحو الأمام، نتمنى ألا تقابلها خطوات عكسية.
زيادة او نقص عدد المؤسسين، شمول المحافظات أو عدم شمولها، وجود نسب معينة من المؤسسين للنساء أوعدم وجودها.... تفاصيل ليست بذات الأهمية أمام سؤال يطرح نفسه، هل ستتدخل دائرة المخابرات في نهاية الأمر ام لا ؟
بالنسبة للبعض، فإنهم يصدقون الوعود والإجراءات التي تعلن عنها حكوماتنا على الدوام، أما بالنسبة لي، فستبقى الشكوك قائمة وستبقى لحين خروج مدير دائرة المخابرات العامة على العلن، كما قال أحد أمناء الأحزاب لي، ليقول : نعم أريد قانون أحزاب حقيقيا.
في الختام، نحن نرفض تدخل(الأجهزة الأمنية) في إجراءات تأسيس الأحزاب، وفي سير عملها، ما لم تكن تخطط لإسقاط النظام أو إحداث فتنة داخلية تقود لحرب أهلية لا قدر الله، لا بالتدخل في شؤونها لأنها عارضت بطرق سلمية برنامجاً نووياً، أو قالت : لا لرفع الاسعار مثلاً.
المجتمع يزداد وعياً ومطالب يوماً بعد يوم، والحكمة تقتضي تغيير النظرة والتعامل معه، وقد بلغ سن الرشد.