النكبة والانتفاضة والأرض والكوفية
مفردات، أدخلها نضال الشعب العربي الفلسطيني القاموس السياسي العالمي، وغدا لكل مفردة منها مدلول سياسي، ومعنى، وأثر، بدءاً من كوفية أبو عمار التي أشاعها، وعممها شعاراً لفلسطين وللثورة، ولجميع مناضلي الحرية والتقدم ضد الظلم والاستبداد، على امتداد خارطة العالم، مروراً بالنكبة والأرض والانتفاضة.
النكبة معيار المعاناة والتشرد وفقدان الوطن، والعيش في مخيمات اللجوء و"العازة"، واستمرارها يعني أن سلطة الاحتلال القائمة على أرض فلسطين، وحكومة مشروعها الاستعماري التوسعي العنصري الإحلالي الإسرائيلية، ترفض عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى المدن والقرى التي طردوا منها العام 1948، وتعمل ضد استعادة ممتلكاتهم فيها ومنها وعليها وفق القرار الدولي 194، فالنكبة هنا تمثل نصف الشعب العربي الفلسطيني المطرود من وطنه فلسطين، والذي لا وطن له سواه.
وإذا كانت النكبة هي المفردة التي تختزل حرمان الشعب الفلسطيني، ومعاناته في المنفى، خارج الوطن، فالانتفاضة هي التعبير عن الثورة الجماعية الشعبية التي فجرها الشعب الفلسطيني داخل الوطن رداً على الاحتلال، ضد العدو الواحد المشترك، من أجل تحقيق الهدف الواحد المشترك، المتمثل بالتخلص من الاحتلال ونيل الاستقلال، واستعادة الكرامة الإنسانية مثل باقي البشر وشعوب الأرض.
والانتفاضة نالت الاهتمام لكونها ثورة الشعب العربي الفلسطيني المدنية، غير العنفية، السلمية، ضد إجراءات الاحتلال والتوسع والاستيطان في مناطق الاحتلال الثانية العام 1967، في الضفة والقدس والقطاع، من أجل جلاء الاحتلال ونيل الاستقلال، وقيام الدولة الفلسطينية المنشودة وفق قرار التقسيم 181.
أما الأرض، ويوم الأرض، فهو التعبير الكفاحي، للشعب العربي الفلسطيني في مناطق 1948، أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة، كفاحهم من أجل: 1- البقاء على أرض بلادهم، والحفاظ على أرضهم ضد عمليات الاستيلاء والمصادرة، و2- كفاحهم من أجل إلغاء مظاهر التمييز العنصري الواقع عليهم، و3- كفاحهم من أجل تحقيق المساواة الكاملة لهم في وطنهم المصادر والمنهوب.
ولذلك كانت النكبة والانتفاضة ومن بعدهما وقبلهما يوم الأرض، تعبيراً عن مكانة الأرض الوطن في ضمير الشعب وحياته وأمنه واستقراره فالصراع بين المشروعين، المشروع الاستعماري التوسعي العنصري الإسرائيلي، وبين المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني يقوم على مفردتين: الأرض والبشر، المشروع الإسرائيلي يريد سرقة الأرض الفلسطينية، ونهبها من صاحبها الفلسطيني، وبدونه، بطرده خارج وطنه، أو تطويقه والتضييق على من بقي داخل وطنه، على أن يكون معزولاً بدون فعل أو تأثير أو مبادرة، وبدون تطور، أي بدون أن يسمح له بالحياة الطبيعية داخل الوطن محاصراً بالقوانين العنصرية والجدران المتعددة، ولذلك ركّز الفلسطيني داخل مناطق 48، وكثف نضاله، ووحد جهوده لتحقيق كلمة واحدة هي المساواة أسوة باليهود، من حيث العمل والسكن والكرامة والتأمينات الاجتماعية والصحية، أي بما يضمن له الشراكة داخل وطنه بعد التخلص من التمييز والقوانين العنصرية.
بينما ركّز الفلسطيني في مناطق 1967، على جلاء الاحتلال والمستوطنات ونيل الحرية والاستقلال، وكلا البرنامجين المكملين لبعضهما البعض، المساواة داخل 48، والاستقلال لمناطق 67، يوفر الأساس الموضوعي لتحقيق هدف الطرف الفلسطيني الثالث من اللاجئين المشردين في بلاد الشتات واللجوء والمخيمات، وهو عودتهم إلى فلسطين واستعادة ممتلكاتهم منها وفيها وعليها.
النكبة حرمت الشعب الفلسطيني من الأرض، ومن الاستقرار ومن الوطن، والانتفاضة أعادت للفلسطيني حرية خياره عبر النضال لاستعادة الأرض والعودة إلى الوطن، والكوفية هي الشعار والرمز ليس فقط لقائد الشعب الذي فجّر الثورة وقادها وأعاد للفلسطينيين هويتهم المبددة، ووحد مؤسسة نضالهم، ووضعهم على خارطة السياسة الدولية، وأعاد قضيتهم من المنفى إلى الوطن، وترسخت شعاراً ورمزاً وأيقونة لكل الفلسطينيين، بل ولكل أحرار العالم الذين يناضلون من أجل قضية الحرية لكل الشعوب، تضامنهم مع الشعب العربي الفلسطيني، وقضيته العادلة، وانحيازهم لها.
النكبة، الانتفاضة، الأرض والكوفية، صاغت مفرداتها ومضامينها معاناة الشعب العربي الفلسطيني، وتطلعاته، ولكنها لم تعد مفردات مقتصرة على استعمال الفلسطينيين وثقافتهم، بل تعدت ذلك، لتتحول إلى مفردات عابرة للحدود، تسكن ضمير البشرية، لما لها من معان إنسانية خلاقة، ضد الظلم والاحتلال والعنصرية، ومن أجل الإنسان كيفما كان، وأينما كان.
h.faraneh@yahoo.com